ثم أيضاً الدين والجماعة والإمارة لا يمكن أن تكون إلا بسمع وطاعة، فـ عثمان رضي الله عنه يقول: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن؛ لأن السلطان معه قوة مادية والقرآن ما هو إلا توجيه يأخذ به المؤمن ويتركه المنافق، لكن ما الذي يأخذ العاصي والمنافق والظالم والباغي والمفسد والقاتل؟ الذي يأخذه بالقوة هو السلطان.
ثم أيضاً بعد السمع والطاعة لابد من الأمن، وما أدراكم ما الأمن؟ بعض الناس يظن الأمن مصلحة هامشية أو ضرورية لكنها من أدنى المصالح، وليس كذلك، بل الأمن هو تاج ذلك كله، والدين جاء بحفظ الضرورات الخمس، وكثير من نصوص الدين وقواعده وأساسياته تقوم على هذا الأساس: حفظ الضرورات الخمس، والدين لا هل يمكن إقامته على الوجه الكامل بدون أمن، فهل تستطيع أن تصلي الجماعة بلا أمن أو تقيم الجمعة بلا أمن أو تصلي الاستسقاء أو تصلي الجنازة بدون أمن؟ وهل تستطيع أن تحج بدون أمن؟ قبل دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب كان هناك خوف، واقرأ في تاريخ ابن بشر وابن غنام تجد أحدهم يقول: وفي هذا العام لم يحج أحد، وبعد حوالي عشر سنين لم يحج أحد، لماذا ما حج أحد؟ واختلال السبل، حتى من مكة كان الحاج إذا خرج من مكة يوجد في الجبال من ينهبه ويقتله.
وقبل أن يتمكن الملك عبد العزيز رحمه الله كان الناس يصلون في الحرم أربع جماعات كل واحدة لا تعترف للأخرى، فهل هذا دين نرضاه؟ جاء الملك عبد العزيز رحمه الله وجمعهم على إمام واحد، هذه الفضائل تنساها أجيالنا؛ لأننا لا نذكرهم بها، وأكثر الناس -مع الأسف- مثل الحشرة لا يقع إلا على الجرح فقط أو على موطن المرض، لكن الحسنات لا يذكرها إطلاقاً.
فإذاً: ينبغي أن نذكر لأجيالنا هذا الخير؛ فلا يمكن حفظ الدين إلا بأمن، ولا يمكن حفظ العقول بلا أمن، ولا يمكن حفظ الأموال بلا أمن، ولا يمكن حفظ الأرواح بلا أمن، ولا يمكن حفظ الأعراض والأنساب بلا أمن، وما أدراك ما الأعراض والأنساب؟ وبعض الذين يحاضرون أحياناً لا يكون عنده شعور بهذه المسائل حتى يذكر العرض فإذا ذكر العرض انتفض وعرف أن المسألة خطيرة، وأنه وصل المحز إلى العظم، ونحن نسأل الله ألا تأتي هذه الساعة، وإن شاء الله نحن موقنون بأن الله عز وجل سيحفظنا، لكن ومع ذلك هذا مشروط بأن نبقى على ديننا ونتوب ونتعاون مع ولاتنا وعلمائنا ومشايخنا وتجتمع كلمتنا على الحق والهدى، ومشروط بأن ندفع الغلو، لا أن نجلس نتفرج، فبعض الناس يقول: نحن مشغولون بالإصلاح، نعم الإصلاح له شروطه، ومن الإصلاح دفع الفساد، وأنا أضرب مثلاً لما يحدث عندنا من كثير من المفاسد والمنكرات التي يجب أن نعالجها مع الغلو: بأناس في بيتهم هذا البيت يحتاج ترميمات ويحتاج إصلاحات ويحتاج إلى حماية إلى آخره، كل مشغول بشغله ولم يشغلوا بإصلاح هذا البيت، فأتاهم واحد سفيه معه شهاب من نار، وقال: أريد أن أحرق البيت من أجل أن أريحكم، فما رأيكم؟! فمن عنده نوع من سوء الفهم قال: دعوه يحرقه، لكن أيهما أسفه هذا الذي يحرق أو هذا الذي يؤيده؟! لكن العاقل والذي يعمل بالدين سيكف السفيه الذي سيحرق ويشتغل بالإصلاح في وقت واحد، فيمد يداً للإصلاح ويمد يداً أخرى لكف الكارثة والفتنة التي تقضي على كل شيء.