من أعظم أسباب الغلو والتطرف والتفجير والتكفير وجود النفاق والفساد على مستوى الأرض كلها والكون كله، ثم على المستوى العالمي الإسلامي ثم في بيئاتنا، وغيرة الغيور الذي لم ينضبط بضوابط الشرع ولا عنده فقه من الدين ولا عنده تجارب ثم يشحنه آخرون هذا يسمى استغلال الحدث.
لكن ومع ذلك هل ما يوجد من فساد وإعراض وما يوجد أحياناً من تجاوزات يبرر الغلو في الدين؟ وهل يبرر التكفير والتفجير؟ لا والله! ليس هذا بمبرر؛ لأنه لا يجوز أن نبرر الفساد بفساد، ولا أن نعالج الخطأ بخطأ، فهذا ليس في موازين الشرع، ومنذ أن ظهر الغلو في تاريخ الأمة وهو محجوج بنصوص الشرع وقواعده وبأقوال العلماء، ومع هذا يأتي من يدعي أو يبرر لمثل هذه الأعمال الشنيعة التي أساءت إلى الإسلام وإلى المسلمين وإلى البلاد، يبررها بوجود المفاسد، والمفاسد تعالج بالطرق الشرعية، فنحن نعترف أن عندنا تقصيراً وخللاً نسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، والتقصير بعضه يأتي من الناس وبعضه قد يأتي من بعض من يتحملون مسئوليات، لكنهم بشر، والواجب علينا فيما يحدث بيننا دولة وحكاماً ومحكومين من أمور مبناها على التناصح كما أمر الله عز وجل وأوصى رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، وأئمة المسلمين هم الحكام والعلماء.
ولا يخلو مجتمع من أخطاء حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها تتفاوت، ونحن نعترف أن عندنا أخطاء كثيرة علاجها أولاً: بالنصيحة، وثانياً: باجتماع الشمل والحفاظ على الأمن، وثالثاً: بأن نرجع إلى من أمرنا الله بالرجوع إليهم في مثل هذه الأمور وهم العلماء حتى وإن ادعى من يدعي أنهم مقصرون، فالعلماء هم حجة الله وهم أهل الذكر الذين عناهم الله عز وجل بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، بل إن الله وجهنا إلى الرجوع إلى العلماء في مثل هذه الأحداث التي نعيشها بآية بينة واضحة نسيها كثير من المسلمين قال عز وجل: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]، ومن هم الذين يستنبطون الأقوال؟ هل هو مبتدئ أو حدث أو إنسان يتطفل على العلم والعلماء؟
صلى الله عليه وسلم لا، بل الذين يستنبطون هم العلماء الراسخون الكبار، وكثير من شبابنا هداهم الله لهم تجاوزات على مشايخنا، لكن ومع ذلك مشايخنا هم أفضلنا وهم أزكانا وهم أعلمنا وهم مرجعنا وهم معقد الحل والعقد فينا، ومن نعمة الله عز وجل علينا التي ما شكرناها وجود العلماء في هذه البلاد، ولا تزال الدولة وفقها الله وهداها وسددها تعتبر العلماء وتجعل لهم الصدارة حتى وإن حصل تقصير، نعم قد يحصل، لكن مع ذلك هذه حقيقة يجب أن نقولها وأن نعترف بها، وهي نعمة يجب أن نشكرها ونشكر من فعلها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
ومن الثوابت الكبرى والأمور المحمودة في هذه البلاد المباركة: بقاء الاعتبار للعلماء، وقد أتانا كثير من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية يتمنون واحداً من علمائنا يذهب إليهم، يقولون: هاتوا لنا شيخاً واحداً نشتريه بأي ثمن، وبعضهم إذا جئته تجده يتفطر كمداً ويتفطر غيرة ويكاد يحترق قلبه، فتقول له: لماذا؟ فيقول: لأني سمعت من بعض شبابكم من يسب علماءكم، فدعوهم لنا؛ لأنكم لا تعرفون قدرهم، وهذه والله! حقيقة، لكن ليس كلنا لا نعرف قدرهم، وإنما يوجد من سفهائنا من لا يعرف قدر العلماء، وهذا ما سأشير إليه من الثوابت.
فيجب أن نتذكر نعمة الإسلام ثم نعمة السنة التي هي معقد الاجتماع دائماً، ولا يوجد ولن يوجد في تاريخ الإسلام من أوله إلى آخره -واستعرضوه- أن تجتمع كلمة المسلمين في بلد ما على كيان قوي له اعتباره دولة ومجتمعاً إلا على السنة والجماعة، ومتى ما وجدت البدع وجد الافتراق، ومتى ما وجد الغلو وجد الافتراق حتى وإن كان باسم الدين والغيرة، وأول افتراق حدث في الأمة كان بسبب الغلو؛ فإن الذين خرجوا على عثمان كانوا ناساً غيورين وما أخرجهم على عثمان إلا الغيرة، لكن على غير هدى، ولم يرجعوا إلى الصحابة، بل كانوا يتهمون نيات الصحابة، بل استحلوا دماءهم، فالخوارج استحلوا دم علي وطلحة والزبير وعثمان بن عفان، ويفتخرون بهذا إلى اليوم.
وإن كان تاب بعضهم فالبقية كلهم يعتبرون هذا مفخرة، وهم متدينون، وسبب خروجهم إنكار المنكرات كما يزعمون، نعم هناك منكرات لكن سبيل تغييرها النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر، بل حتى المظالم أمرنا بالصبر عليها، وقد جاءني سؤال يتكرر في كل محاضرة في هذا الموضوع، يقول: الشباب يعانون ضغوطاً وكثير من المجتمع يعانون ضغوطاً ما يجدون وظائف وما يجدون أعمال