الأمر الثاني: رفع القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد، واتخاذ التماثيل ورفع الصور أيضاً، وهذه الأمور أيضاً وردت فيها نصوص كثيرة أجملها فيما يلي: روى مسلم وغيره عن علي رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته).
وروى ابن أبي عاصم بسند صحيح عن معاوية رضي الله عنه قال: (إن تسوية القبور من السنة وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تتشبهوا بهم)، يعني: رفعت البناء على القبور، وهذه البلوى -أي: رفع البناء عن القبور أو رفع القبور بذاتها- من أعظم البلوى التي أصيب بها المسلمون في كثير من أقطارهم اليوم؛ وذلك مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم)، ومن ذلك اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ومعنى اتخاذ قبورهم مساجد أي: البناء عليها بناء مساجد، والصلاة في هذه المساجد ويتبع ذلك البناء على قبور الصالحين أو دفن الصالحين في المساجد ولو بعد بنائها، كل ذلك يشمله النهي.
ومن ذلك أيضاً: ارتياد المقابر من أجل الدعاء عندها أو دعائها من دون الله أو التقرب إليها بسائر القربات، وكل ذلك إنما هو من فعل اليهود والنصارى وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير.
ومن ذلك ما رواه مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -أي: بخمس ليال- قال: (إني أبرء إلى الله إن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذا إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد إلا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهكم عن ذلك).
وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قاتل لله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وفي لفظ مسلم (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
وفي الصحيحين عن عائشة وابن عباس قالا: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذر ما صنعوا).
وهكذا في قصة أم سلمة وأم حبيبة وما رأتاه من كنيسة في الحبشة من حسنها ومن تصاوير فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)، وهذه الأمور من أعظم ما ابتلي به المسلمون اليوم.