الموضوع السابع: في أسباب وقوع المسلمين في تقليد الكفار وفي التشبه بهم خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ووقوعاً فيما نهى عنه: أولاً يجب أن نعرف أن هذا الأمر قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمر لابد واقع.
ثانياً: ينبغي أن نفهم بناءً على القواعد السابقة أن الذين وقعوا بالتشبه بالكافرين ليسوا أهل الحق، ولا أهل السنة والجماعة، إنما الذين وقعوا هم أهل الافتراق، وما من فرقة افترقت عن أهل السنة والجماعة إلا وفيها شبه بالكفار يقل أو يكثر، فما من فرقت خرجت عن منهج أهل السنة والجماعة من الفرق التي افترقت إلا ويكون فيها شيء من التشبه بالكفار قد يقل في بعضها وقد يكثر في البعض الآخر.
من أهم أسباب وقوع المسلمين في التشبه بالكافرين: أولاً: مكائد الكفار للإسلام والمسلمين من أول ظهور الإسلام حتى اليوم، فالكفار بمختلف مللهم وعقائدهم وأديانهم وأهوائهم كادوا ولا يزلون يكيدون للإسلام، فكان من مكائدهم إيقاع المسلمين في كثير مما كانوا عليه من أمور العقائد والعادات والسلوك، ولذلك نجد أن أغلب أسباب الافتراق هي مكائد الكافرين، وما من فرقة افترقت عن الأمة إلا ونجد أن من أسباب افتراقها وجود طوائف من الكفار إما أن يكونوا رءوساً فيها أو من أتباعها من أجل إيقاع المسلمين في مثل هذه الأمور، فمكائد الكفار أصحاب الديانات والملل هي من أهم أسباب وقوع المسلمين في التشبه، والله سبحانه وتعالى أخبرنا بذلك في مثل قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، ومثل قوله تعالى: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118]، ومثل قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:105]، ومثل قوله تعالى: {إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:149]، وفي آية أخرى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة:109].
إذاً: فالكفار لا شك أنهم حرصوا ولا زالوا من أحرص الناس على حرف المسلمين عن دينهم، وهم أيضاً يبذلون جهوداً الآن أكثر من أي وقت مضى، وكل مسلم متأمل لواقع المسلمين الآن -بل واقع العالم كله- يدرك تكالب الكفار على الأمة المسلمة اليوم بمحاولة فرض كل أمور الكافرين عليهم من عقائد، ومن عادات، ومن أنظمة، ومن سياسات، ومن أخلاق وغيرها؛ فإن الكفار الآن نجدهم تألبوا على الأمة بإيقاع بالتشبه بهم أكثر من أي وقت مضى.
ثانياً: من أسباب وقوع المسلمين في التشبه بالكافرين جهل بعض المسلمين بالإسلام وعدم تفقههم بالدين، جهلهم بأحكام الدين، وبمنهج السلف الصالح.
ثالثاً: ضعف المسلمين مادياً ومعنوياً وعسكرياً، مما أدى إلى شعورهم بالضعف والانهزامية، وإلى غلبة الكفار عليهم في كثير من شئون الحياة.
رابعاً: كيد المنافقين الذين يعيشون بين ظهراني المسلمين، وهم الأداة الفعالة والقوية في خدمة الكفار قديماً وحديثاً، فالمنافقون الذين بين المسلمين لهم أثر كبير في إيقاع المسلمين في التشبه، والمقصود بالمنافقين: فئات كثيرة، أولها أولئك الذين أدعوا الإسلام من الأمم الكافرة ودخلوا فيه ظاهراً بقصد الكيد ضده، ومنهم من هو مسلم في الأصل، لكنه ارتد وانحرف، ومنهم من هو مسلم في الأصل، لكن فهمه للإسلام منحرف وخاطئ، ومنهم من يميل إلى الفسق والفجور وإن كان يدعي الإسلام، فكثير من الذين يجرون المسلمين الآن إلى التشبه بالكافرين هم من الذين في قلوبهم مرض، والذين يحبون أن تشيع الأهواء والفواحش في المسلمين من العلمانيين وغيرهم.
وعلى أي حال فإن أسباب وقع المسلمين في التشبه بالكافرين كثيرة.