الموضوع الثاني: لماذا نهينا عن التشبه بالكافرين؟ أولاً: ينبغي أن نفهم قاعدة هي: أن الدين مبناه على التسليم لله تعالى، والتسليم لرسول صلى الله عليه وسلم، والتسليم معناه: تصديق خبر الله تعالى، وامتثال أمره واجتناب نهيه وتصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فإذا عرفنا هذه القاعدة فإنه ينبغي للمسلم أن يسلم بكل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يمتثله، وبكل ما جاء به النهي عن مشابهة الكافرين، وبعد أن يسلم ويطمئن ويثق بخبر الله وشرعه فإنه بعد ذلك لا مانع من أن يلتمس التعليلات والأسباب، فلذلك نستطيع أن نقول: إن أسباب النهي عن التشبه بالكافرين كثيرة، وأغلبها مما يدركه أصحاب العقول والفطر المستقيمة، ومن ذلك: أن أعمال الكفار مبناها على الظلال والفساد، هذا هو الأصل في أعمال الكفار، سوء كانت ظاهرة الفساد، أو كانت خفية الفساد فإن أعمال الكفار مبناها على الضلال والانحراف والفساد في عقائدهم وفي عاداتهم وفي عبادتهم وفي أعيادهم وفي سلوكهم، والصلاح استثناء، ثم إذا وجد بينهم من الأمور الصالحة شيئاً فإنما يكون مما لا يؤجر عليه أحد.
هذا أمر.
الأمر الثاني: أن التشبه في الغالب يوقع شيئاً من المشاكلة بين المتشبه والمتشبه به وبين المقلِد والمقَلد، والمشاكلة بمعنى التناسب والميول والانصهار والموافقة في الأعمال والأقوال، وهذا أمر لا ينبغي لمسلم أن يقع فيه.
الأمر الثالث: أن التشبه بالكافرين يورث في الغالب ازدراء السنن وازدراء الحق والهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي عليه السلف الصالح؛ لأن من تشبه بقوم وافقهم ورضي بفعلهم وأعجبه ذلك، وبالعكس فإن المخالف لا يعجبه الفعل والقول المخالف.
الأمر الرابع: أن المشابهة تورث المودة والمحبة والمولاة، فإن المسلم إذا قلد الكافر فلابد أن يجد في نفسه إلفة له، وهذه الإلفة لابد أن تورث المحبة وتورث الرضا وتورث شيئاً من التناسب بين المتشابهين، وتورث المولاة، وهذا أمر فطري ضروري يدركه كل عاقل، خاصة إذا شعر المقلد بالغربة أو شعر المقلد بما يسمى بالانهزامية النفسية؛ فإنه بذلك إذا قلد غيره فإنه يشعر بعظمة المقلَد، وبالمودة له وبالإلفة والتناسب بينهم ولو لم يكن من ذلك إلا التناسب الظاهر لكفى، مع أن التناسب الظاهر في الشكل وفي العادة وفي السلوك لابد أن يورث التناسب الباطن، وهذا أمر يدركه كل من يتأمل مثل هذه الأمور في سلوك البشر.
وأضرب مثلاً في وجود التناسب والمحبة والإلفة بين المتماثلين: لو أن إنساناً ذهب إلى بلد آخر يكون فيه غريباً، فإنه لو رأى إنساناً مثله يمشي في السوق يلبس كلباسه ويتكلم بلغته فإنه لابد وأن يشعر نحوه بشيء من المودة أكثر مما لو كان في بلده؛ لأن الإنسان إذا شعر أنه مقلد لآخر فإن هذا التقليد لابد أن يقع في القلب له أثر، هذا في الحالات العادية، فكيف لو قلد المسلم الكافر عن إعجاب؟ وهذا هو الحاصل؛ فإنه لا يمكن أن يقع التقليد من المسلم للكافر إلا ويكون ذلك صادراً عن إعجاب وعن تقليد، وعن محاكاة تورث المحبة والمولاة.
والأمر الآخر الذي نهينا عنه التشبه؛ لأن مشابهة المسلم للكافر في الغالب لابد أيضاً أن تجعله في مقام الذليل والضعيف الذي يشعر بالصغار والانهزامية، وهذا هو الذي عليه كثير من الذين يقلدون الكفار الآن.