أولاً: أن السلف يعتقدون أن الرد على المخالف من أصول الإسلام ومن أصول الدين ومن مقاصد الشرع، ومن غايات الدين العظمى، ومن مناهج الحق التي توافرت بها النصوص في الكتاب والسنة وأجمع عليها السلف.
ومن هنا فإن ذهول بعض الناس عن هذا الأصل يعتبر كارثة، لا سيما وقد تأثر به بعض طلاب العلم، وهناك دعوى يرددها بعض المخلصين، لكنهم جهلة يقولون: لماذا نشتغل بالرد؟ وهل الرد له أصل في القرآن أو السنة؟ والعجب من هذا
Q كيف يذهل طالب العلم بل المسلم العادي عن أن الرد أمر ضروري لا يمكن أن يقوم الدين بلا جدال للمخالفين والمناوئين.
والله عز وجل قد ذكر في كتابه كثيراً من القضايا العقدية من خلال الرد، فالقرآن ومليء بالرد على أهل الكتاب: اليهود والنصارى.
مليء بالرد على الديانات الأخرى ومليء بالرد على الأمم وعلى الشبهات التي صدرت عن المشركين وغيرهم من الجماعات، بل وحتى من الأفراد، كقوله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78]، هذا الوليد بن الوليد، فرد واحد.
وكذلك المقولة ولو كانت شنيعة إذا قيلت؛ لا بد من حماية الأمة منها، وبعض الناس يقول: إن بعض المقالات فيها شناعة؟ نقول: المقولات التي فيها شناعة لا أشهر بها، لكني أحصن الأمة منها بالطريقة المناسبة، فإن كانت بين طلاب العلم أدفعها عن طلاب العلم، وإذا اشتهرت بين العامة لا بد أن أدفعها عن العامة.
ولذلك ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم أموراً يقولها المبطلون ويستسمجها الذوق، حتى لو قال بها الإنسان الذي لا يهتدي بالنبوات، ولا يعرف الحق؛ فإنا نجده لو حكَّم فطرته لوجد المقولة سخيفة، ومع ذلك فإن الله عز وجل رد على أهلها في الكتاب كمن ادعى أن لله صاحبة، وإن كان هذا أمراً قد لا يخطر على بال عاقل أن الله له ولد سبحانه عما يقولون، وادعوا لله البخل تعالى الله عما يزعمون، والله عز وجل ذكر هذه المذاهب في القرآن، حين أعلنها أصحابها أمام الملأ، وصاروا يتباهون بها ويدافعون عنها، فكذلك أي مقولة أو بدعة أو مذهب خبيث يشتهر بين الأمة عبر الإعلام، أو عبر وسائل يسمعها غالب الأمة؛ لا بد من دفعها، وإلا فإنها تكون فتنة.
وقد أفرد بعض المتأخرين وعلى رأسهم الشيخ بكر أبو زيد وفقه الله كتاباً في ذلك أسماه: الرد على المخالف.
فالرد على أهل الأهواء والدفاع عن العقيدة من أساسيات الدين، ومن أساسيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن أعظم المنكر منكر العقيدة أعظم المنكر الإساءة إلى الله عز وجل الإلحاد في أسمائه وصفاته الخلل في عبودية الله عز وجل البدع في عبادة الله؛ هذه هي أعظم الخلل وأعظم المنكر، ومن المنكرات منكرات الأخلاق ومنكرات العادات، ولا شك أن هذه منكرات، لكن أعظم المنكرات منكرات العقيدة، ولذلك ينبغي للأمة أن تعنى بمنكرات العقيدة كما تعنى بغيرها بل أكثر.
إن الدفاع عن العقيدة داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وداخل في الجهاد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)، وقال الإمام يحيى بن يحيى: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله.
كما أن الرد على أهل الأهواء داخل في الجدال بالتي هي أحسن، وفي الدعوة إلى الله عز وجل، وفي حماية الدين وإقامة الحجة؛ كل هذه أساسيات من أساسيات الدين، لا يقوم الدين إلا بها.
وليس كل الأمة تجند في الرد، لكن يجب أن تنبري طائفة من المتخصصين في الرد على أهل الأهواء، ولا مانع أن يقوم بعضهم ويكون هذا همه، ويكون على ثغرة من ثغور الإسلام، أما أن نقول: نؤصل فقط، فنقول: نعم التأصيل هو الأصل، لكن أكثر الناس تقع في نفسه الشبهة حتى لا تزول إلا بتفنيد؛ فنحتاج إلى تفنيد الشبهات، وحماية الأمة منها.
والقرآن قد تصدى لهذا الأمر وهو الهدى، فقد تضمن الرد وأمر به، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هديه وسنته القولية والعملية أمره أيضاً للأمة بالجهاد باللسان، وبالذود عن الإسلام؛ فكان يؤيد كل من ذاد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة، وأحياناً هو بنفسه يناضل ويرد، ويكشف الأمور التي فيها خطر على الأمة، ويقوم على المنبر أكثر من مرة في دفع الباطل عن الناس، أو في دفع نوازع البدعة كما حدث من النفر الثلاثة الذين نزعوا في العبادة إلى الغلو في الدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث شيء من الأمور قام على المنبر، فقال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا).
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتصدى لحماية الدين كما يتصدى لبيانه، وكذلك الصحابة والتابعون وسلف الأمة، قاموا بالواجب تجاه الأهواء منذ أن بدأ بها أفراد، كما فعل أبو بكر وعمر، والأهواء الجماعية كما فعل الصحابة مع المرتدين، وكما فعلوا مع القدرية، وكما فعلوا مع السبئية والرافضة والشيعة، وكما فعلوا مع الخوارج.
الصحابة بينوا، وأقاموا الحجة، ونقلت عنهم آثار