الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، ورضي عن صحابته أجمعين.
أما بعد: فإن كل دعوى لابد لها من حقيقة، وأعظم الحقائق هي حقيقة الدين.
والدين والتدين أوصاف يتمنى كل مسلم أن يتصف بها، بل ربما يدعيها كثير من المسلمين، وقد تكون هذه الدعوى صحيحة، وقد لا تكون، ولابد من وزن كل دعوى بموازينها الشرعية والعقلية.
ودعوى التدين دعوى كبيرة لابد لها من حقيقة، وهذا ما سنقف عنده بعض الوقفات بقدر ما يتسع له الوقت.
أولاً: ما هو التدين بمعناه اللغوي والاصطلاحي؟ التدين: مأخوذ من الدين، والدين: هو التسليم والطاعة والتذلل والخضوع والعبودية، وعلى هذا فإن التدين -تدين المسلم- بمعناه الاصطلاحي يتمثل أولاً بالتسليم لله عز وجل، والتذلل له سبحانه، والخضوع والطاعة والامتثال، وجماع ذلك كله: العبودية لله سبحانه.
ولذلك سمي الإسلام بهذا الاسم من هذا المعنى، فالإسلام معناه: التسليم، وهو: الاستسلام لله عز وجل بالعبودية والطاعة، الاستسلام المطلق.
والاستسلام -أي: استسلام التدين- لابد أن يشمل استسلام القلب واستسلام الجوارح، وخضوع القلب وخضوع الجوارح، ولو تأملنا حال المسلمين اليوم ثم قارناها بحال المسلمين في القرون الثلاثة لانكشفت لنا الكثير من الحقائق المتعلقة بدعوى التدين.
أثر عن الحسن البصري رحمه الله حكمة صائبة قال فيها: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقته الأعمال.
وعلى هذا تستجلى حقيقة التدين من إظهار علامات التدين على القلب أولاً، أي: الأعمال القلبية، التي سيأتي الإشارة إلى شيء منها، ثم على الجوارح التي هي الأعمال الظاهرة، والتي تتمثل بأعمال المسلم الظاهرة تجاه أركان الدين وواجباته والأخلاق ونحو ذلك.
ثم ما يستلزم ذلك أيضاً من منهج التعامل، تعامل الإنسان أولاً مع ربه عز وجل، وتعامله مع الحقائق الشرعية، وتعامله مع أصول الإسلام، ومدى امتثاله لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مدى تحقيقه لمعنى الإسلام، ومدى تعلقه بهذا الدين.