أصبحت هذه الظاهرة شيئاً مرعباً، حتى بالغ كثير من الناس في هذا الأمر، فالناس قد تصيبهم أمراض كثيرة: عضوية ونفسية وعقلية وغيرها، ولا يلزم أن يكون ذلك بسبب العين أو السحر أو الشعوذة، لكن طرق موضوع السحر والشعوذة يستفيد منه فئة من الناس وهم السحرة أنفسهم، إذا أكثروا بين الناس إشاعة أنهم مسحورون أتوا إليهم، فأخذوا أموال الناس وجلبوه إليهم، وكذلك بعض الرقاة الجهلة يفسرون كثيراً مما يعجزون عن تشخيصه بأنه سحر أو شعوذة أو عين أو نحو ذلك وهذا غلط وفيه تعجل.
فلذلك نجد أن فزع الناس إلى غير الأسباب الشرعية من فزعهم إلى الكهنة والعرافين والمشعوذين والوقوع في حبائلهم أكثر من هذا، وتسبب في كثرة عزوا الأشياء والأمراض إلى السحر والشعوذة، حتى أوهم هؤلاء المشعوذون والكهان والعرافون والسحرة أوهموا الناس بأمراض لم تكن فيهم، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6]، كما أخبر الله عنهم، وألجئوا جهلة المسلمين إلى الوقوع في البدع والشركيات، ووقعوا في حبائل هؤلاء السحرة، فأخذوا أموالهم، لاسيما أن الناس قد يفتنون أحياناً بحالات نادرة يحدث أن يستفيد واحد فائدة قدرها الله عز وجل قدراً فائدة من سؤال عراف فيفتن الناس بهذا العراف، مع أن الأصل فيه الكذب، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يصدقون مرة واحدة ويكذبون تسعة وتسعين، يضيفون إلى الصدق تسعة وتسعين كذبة، فبذلك يلبسون على الناس.
ثم أيضاً أن أكثر المشعوذين والدجالين يتظاهرون للناس على أنهم من أهل الصلاح، وأنا أعجب من غفلة كثير ممن يذهبون إلى هؤلاء السحرة والمشعوذين ويسألونهم عن أحوالهم، ثم يأتون ليزكوهم ويقولوا: والله فلان جئناه ووجدناه يتلو آيات من كتاب الله، وما شاء الله يسبح ويهلل، نعم هذا من تلبيس الشياطين، ما يستطيع أن يأخذ أموالك وفلوسك إلا إذا أظهر لك أنه تقي وصالح، وأنه يسبح ويهلل، لكن لا تنسى أنه شيطان من الشياطين، ولا تنسى أنه عراف وساحر، فمن هنا فتن الناس بهؤلاء، فلما فتنوا بهم، تعلقوا بهم ولما تعلقوا بهم صار هؤلاء السحرة والمشعوذين ينسبون كل أمراض الناس إلى السحر والشعوذة، يقولون: أنت مسحور، والذي سحرك فلان أو فلانة، وسحرت في مكان كذا، وهذا كله كذب.
وغالباً أن الساحر إضافة إلى أنه يريد أن يأخذ أموال الناس غالباً تجده يتقصد التفريق بين الأسر، فينسب السحر مثلاً إلى الأب أو إلى الأم أو إلى العمة أو إلى الصديق، ويقول: سحرك فلان، ويكون فلان هذا إما قريبك وإما صديقك وإما جارك وهو يكذب، لكنه حصل ما يريد من وقوع الفتنة بين الناس، ثم إنه حصل ما يريد من جانب آخر وهو استجلاب أموال الناس.
قد يقول بعض الناس: إن هناك من استفاد أو عرف موطن السحر من خلال ساحر، أقول: هذا قد يحدث في المائة واحد أو أقل، لكن يحدث منه من الأضرار ما الله به عليم، وقد يكون الله عز وجل دفع المرض بسبب آخر، فتوهم الناس أنه بسبب الساحر هذا أمر.
الأمر الآخر: أن الذين يذهبون إلى الكهنة لو سألتم أي واحد منهم لوجدتم أن هؤلاء الكهنة كل منهم يقول بقول لا يوافق الآخر، بل لابد أن يكذب الآخر، فيأتي هذا المريض المسكين ويقول: ذهبت إلى فلان من الكهنة وقلت له كذا وكذا وقال لي: كذا وكذا، فيقول الساحر الثاني: لا، يكذب، أنا الذي أعرف وأنا الذي أستطيع، وهذا لم يخبرك بالحقيقة إلى آخره، لا يتفقون، وهذا دليل على كذبهم.
الخلاصة أن أغلب ما يوقع الناس ويوهمهم بأن ما يجدونه من أمراض عضوية أو نفسية سحر أو شعوذة أغلبه من الكذب، أغلبه ليس سحراً ولا شعوذة، وإنما هي أمراض عادية سيأتي ذكر شيء منها؛ لأن بعض الأمراض العضوية تسبب أشياء وهمية ونفسية وعقلية، فالإنسان بدل ما يذهب ويتطبب ويتداوى بالدواء الطبيعي والشرعي ربما يستعجل فيذهب إلى الكهنة فيوقعونه في الأوهام، فيظن أنه مسحور وليس بمسحور، أو أن فيه عيناً وليس فيه عين.
فأقول: أغلب ما ينسب من السحر والشعوذة أغلبه من الأوهام، وربما يرجع إلى أمراض نفسية أو عضوية يكون علاجها بالعلاج الطبيعي والعلاج الشرعي، الذي سيأتي كما ذكرت شيء منه.