من هنا أحب أن أقف وقفة فيما ورد في القرآن والسنة من أثر الشيطان الرجيم على ابن آدم، وغفلة الناس اليوم عن هذه الحقيقة، يقول الله عز وجل عن الشيطان لعنه الله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] يعني: ييسر ويزين للإنسان الفحشاء، ثم ذكر وسائل الفحشاء فقال عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91]، فالخمر والميسر هما أمهات الخبائث وغيرهما تبعاً لهما.
وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21].
وقال سبحانه: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النمل:24].
وقال سبحانه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة:19].
وقال عز وجل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] أي: قرين يصاحبه ويخالطه ويشاركه في أكله وشربه ونومه كما ورد في السنة، فما بالكم بإنسان قرينه الشيطان وجليسه وضجيعه؟ لاشك أنه سيكون فريسة سهلة للسحر والسحرة والشعوذة والمشعوذين.
وقال سبحانه عن الشيطان: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء:64] يعني: أن الله عز وجل سلط الشيطان على بني آدم، وجعله من أسباب ضلالهم وشقائهم وعذابهم في الدنيا والآخرة، وجعل وسائل الشيطان من الأسباب الصارفة للناس عن الخير، والله عز وجل استثنى من هؤلاء عباده المخلصين، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء:65] والمسلم لا يسلم من الشيطان بمجرد أن يتسمى بكونه مسلماً أو أن يقر بأنه مؤمن، بل لابد من الجهاد، وبذل الأسباب التي بها يسلم بإذن الله من غوائل الشيطان وجنوده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً عن أثر الشيطان في بني آدم، يقول: (يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة) ثم ذكر أنه يصبح سعيداً نشيطاً إلى آخر الحديث، فهذا الحديث الصحيح مخصص لعموم الآية، خصص النبي صلى الله عليه وسلم العموم بمن بذل الأسباب الشرعية، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن من قرأ آية الكرسي؛ فإن الله يحفظه من الشيطان.
إذاً: الأصل في المسلم إذا لم يبذل الأسباب الشرعية من ذكر الله عز وجل وصلى وقام بما يجب، فإن الأصل أن الشيطان يصاحبه حتى في نومه ويعقد عليه هذه العقد الثلاث.
ومن الأسباب الشرعية: قراءة آية الكرسي، وأيضاً: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، والمعوذتين عند النوم، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذه وغيرها تطرد الشيطان.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن للشيطان جنوداً يعملون الفساد في الناس، وأن أحب هؤلاء الجنود للشيطان الذي يفرق بين الرجل وامرأته؛ لأن التفريق بين الرجل وامرأته، يعني: فساد الأسرة، الرجل والمرأة يلحق بهما أبناء وبنات وإخوة وأخوات وآباء وأمهات، فالشيطان أو الإنسان الذي يسلطه الشيطان إذا فرق بين الرجل وامرأته شتت أمر الأسرة، فتشتت في دينها ودنياها.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأسواق معركة الشيطان، ينصب بها رايته، كما رواه مسلم، فينبغي للمسلم ألا يغتر بنفسه، وألا يستهين بأمر الشيطان؛ فإنه مسلط عليه، بل إن الشيطان حاول في الأنبياء، لكن الله عصمهم منه، فلا يأخذ المسلم الغرور والجهل والكبر، فيقول: أنا مسلم، وأنا ملتزم، وأنا لا يمكن أن يقربني الشيطان، بل تقول: ينبغي للمرء إذا أراد أن يحمي نفسه من غوائل الشيطان وآثار ذلك أن يعمل الأسباب الشرعية، وقد تعرض إبليس لعنه الله لأبينا آدم وأخرجه من الجنة، وتعرض لإبراهيم، لكن الله كفاه إياه وأعاذه منه، وتعرض لموسى، وتعرض لعيسى، وتعرض لداود وسليمان، وتعرض لنبينا صلى الله عليه وسلم، لكن الله كفاه إياه، فالشيطان تعرض لأخلص أولياء الله وما عصمهم منه إلا ما أعطاهم الله عز وجل من الأسباب الشرعية، فلا يقول: أنا مسلم وأعرف أن الشيطان عدوي ثم يقعد دون بذل الأسباب التي تحميه من الشيطان وغوائله وإفساده، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أن كل إنسان معه قرين، وهذا القرين هو الغالب إلا من عصم الله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا للصحابة، فقالوا: (وأنت يا رسول الله! قال: وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)