إن ظهور أعراض السحر والشعوذة ما هو إلا سبب لعرض رئيس وسبب لمرض أكبر من ذلك وهو كثرة المعاصي في الناس اليوم، وإعراض الناس عن دين الله عز وجل وشرعه، والغفلة عن ذكر الله وعن شكره، والله عز وجل ذكر لنا ذلك لو كان هناك من متدبر، فقال عز وجل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].
وقال سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124].
فهذه الأمور ما هي إلا نوع من أنواع المعيشة الضنك، لما أعرض الناس عن ذكر الله عز وجل ولم يشكروا نعمه، ولما غفلوا عن الأسباب الشرعية التي سيأتي ذكر شيء منها قست قلوبهم، وفسدت أعمالهم وقل توكلهم على الله عز وجل، وارتبطت قلوبهم بالأسباب، وضعفت هممهم في العبادة والطاعة؛ فهيمنت عليهم الشياطين والأوهام، ووكلهم الله إلى غيره حينما أعرضوا عنه، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36]، وكما تعلمون أن السحر والشعوذة والعين والمصائب من عمل الشيطان، وما ذلك إلا لإعراض الناس عن ذكر الله.
وقال عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، أي من الإعراض عن ذكر، والإعراض عما أوجب الله، والوقوع فيما نهى الله من المعاصي والفواحش وغير ذلك من الأمور التي توقع الناس في مثل هذه الغوائل، بل السحر والشعوذة والعين وما ينتج عن ذلك من أمراض نفسية وضيق الصدر ونحو ذلك كله لا يحصل إلا نتيجة للإعراض عن ذكر الله والغفلة عن ذلك.
والإعراض عن الذكر والوقوع في المعاصي والآثام يضعف الإيمان، ويفسد القلوب، وإذا ضعف الإيمان وفسدت القلوب ضعف التوكل على الله، وإذا ضعف التوكل على الله تطلع الناس إلى الأسباب المادية، ووكلهم الله إليها وهي لا تنفعهم، بل تضرهم.
ثم ينتج عن الإعراض عن دين الله عز وجل قلة التفقه في دين الله، فيجهل الناس الأحكام، فيقعون فيما لا يجوز عن تقصير وجهل، ولذلك نجد أكثر ما أوقع بعض المسلمين الذين بقيت عندهم بعض سمات الفطرة، أكثر ما يوقعهم في أعمال السحر والشعوذة الجهل بالأحكام الشرعية، وعدم فقه الأمور التي تتعلق بالرقية، وقبل ذلك بذل أسباب الحماية من الأوراد، ومتى تكون؟ وكيف تكون؟ والأسباب الشرعية الأخرى من إقامة الفرائض، والبعد عن المنكرات، وفعل الخيرات والصدقات، والإكثار من تلاوة القرآن ومن ذكر الله والاستغفار، كل هذه الأمور أكثر الناس يجهل أحكامها وآثارها الطيبة في النفوس، وربما أن أكثر المسلمين يعرفون أشياء كثيرة من المعارف العامة، لكنهم يجهلون أكثر ما يتعلق بدينهم وما يتعلق بعلاقتهم بربهم عز وجل، وإن عرفوا لم يعملوا، وعدم عملهم بما يعرفون يستوجب النسيان والغفلة، فقلة الفقه في دين الله والجهل بحدود الله وأحكام الشرع أوقع الكثير من المسلمين في مثل هذه الأمور، حتى صاروا ضحايا لغوائلها وآثارها المدمرة على الأسرة، ونتج عن ذلك ضعف التحصن بالأسباب الشرعية التي جعلها الله محصنات تحمي المسلم بإذن الله عز وجل.
المحصنات الشرعية كثيرة: أولها: توحيد الله عز وجل من قلب واع، ومن عقل عارف بدين الله عز وجل، ثم ما يلزم منه من إقامة الفرائض والسنن وتلاوة القرآن وعمل الخيرات وعمل الصدقات، وعمل الورد اليومي الذي جعله الله عز وجل تحصيناً للمسلم في صباحه ومسائه.
فضعف الإيمان في القلوب وقلة الفقه في الدين وضعف التحصن بالمحصنات الشرعية كل هذا جعل الشيطان يهيمن على الناس، وجعل المعاصي هي الأصل في أعمال كثير من المسلمين الآن، فجلب الناس المعاصي إلى أنفسهم وإلى بيوتهم، جلبوا وسائل الفساد والآثام في البيوت والأسواق، وجلبوا كل ما يحضر الشياطين ويطرد الملائكة في النفوس وفي البيوت وفي الأسواق وفي كل مكان، كالصور، وآلات اللهو، والمعازف، والأجراس، إضافة إلى قلة الذكر والشكر كما قلت، وقلة تلاوة القرآن، فكل ذلك مما جلب الآثام والفواحش وأفسد العقائد والأخلاق، وحصد الحسنات حصداً.
إذاً: لقد صار الشيطان قريناً وضجيعاً لأكثر الناس؛ بسبب الغفلة عن ذكر الله، وجلب ما يضر من الآلات والوسائل، كل هذا ومثله مما تعرفونه لاشك أنه يهيئ النفوس والأبدان لأن تعبث بها الشياطين شياطين الجن والإنس، فمن هنا تكثر آثار السحر والشعوذة بين الناس اليوم.