إن أبا سفيان بن حرب الذي كان رأس مكة وواليها وأمير تجارة مكة وأموالها، وكانت له الوجاهة العظمى، والمكانة العلياء في مكة لما منَّ الله عليه بالإسلام مع سهيل بن عمرو، استأذنا عمر للدخول فلم يأذن لهما، وبقيا مدة طويلة خارج الباب، فجاء بلال يستأذن أمير المؤمنين في الدخول، وهو العبد الأسود الحبشي, فقام عمر بن الخطاب متهللاً، وأدخله قبل أبي سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو , فغضب أبو سفيان وقال لـ سهيل: العبد الحبشي يتقدم علينا! في الدخول.
فقال سهيل معلماً لـ أبي سفيان بن حرب: سارع إلى ربه، أو تقدم إلى ربه، أو سبقنا إلى ربه، فجعله الله يسبقنا عند العباد.
أي: أنه سبق في الآخرة فسبق أيضاً في الدنيا, فبين عمر بن الخطاب أن هذا الدين له هدي وطرق وأصول لا بد أن لا نتعداها.
فـ بلال سجد لله جل وعلا قبل أن يسجد أي كافر من هؤلاء، بعدما من الله عليهم بالإسلام, ولقي شدة وعذاباً شديداً في الله وهو يقول: أحد أحد، فضرب لنا مثلاً رائعاً في الأخذ بالعزيمة، مع أن عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه أخذ بالرخصة، وتكلم في رسول الله، وأبى بلال على نفسه ذلك، واشتد العذاب عليه، ولم ينثني عن عقيدته رضي الله عنه وأرضاه, فتكلم عمر بن الخطاب بكلمة عظيمة تكتب على الصدور بماء الذهب، وقال: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا أي: أعتق بلالاً رضي الله عنه وأرضاه.
فهؤلاء القوم لما رضخوا لأوامر الله, وطبقوا الهدي النبوي, وأخذوا شريعة الله بحذافيرها نزع الله جل وعلا عنهم الذلة والمهانة، وجعل السيادة والقيادة والريادة في ربوع الأرض مشارقها ومغاربها، وفي مدة وجيزة من الزمن في أيدي هذا الرعيل الذكي النقي.