إن النبي صلى الله عليه وسلم بين فضل كل ذي فضل، فهذا فعله صلى الله عليه وسلم، وهذا هديه الذي طبق بعد ذلك، فكان النصر والقيادة والريادة والسيادة في هذه الأمة لمدة وجيزة من الزمن.
وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه تربى على مائدة رسول الله, وعلم أن هذه الصفات من أفعال الله، وأن الله يحب أن يرى أثر صفاته على أخلاق عباده، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبين فضله للناس، حتى ظهر جلياً أمامهم, فكان يضع كل واحد في موضعه، وينزل كل إنسان في منزلته, ويعرف لكل واحد قدره؛ لأن هذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن هذه المسألة قد ضاعت بين الناس، فهم لا يفقهونها ويحسبونها أنها نافلة قول، والحقيقة أنها واجبة؛ لأن عائشة قالت: (أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم)، وجمهرة المحدثين يرون أن هذا من باب المرفوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بأن ينزل الناس منازلهم, فيأثم الإنسان إن لم يفعل ذلك, ولكن الجهلاء والبله في هذه العصور لا يميزون بين أهل الفضل وبين غيرهم.
فالغرض المطلوب أن أبا بكر طبق هذا الهدي النبوي وهذه الصفة التي تعد من صفات الله جل وعلا، وكان لها أثر في أخلاقه وتعامله مع صحابة رسول الله، فجعل الخير كله على يديه، حتى أن الفتوحات العظيمة التي كانت في عهد عمر كانت في حصيلة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه, لأنه عند موته لما دخل عليه عثمان أمره أن يكتب من يخلفه، فلما أفاق قال له: أكتبت أن تكون الخليفة؟ قال: لا، قال: لو كتبت كنت خليقاً بها، قال: كتبت عمر قال: ونعم ما كتبت.
فدخل الناس يشتدون على أبي بكر: كيف تستخلف علينا هذا الشديد؟ وماذا تقول لربك إذا سألك من استخلفت عليهم؟ قال: إذا سألني ربي سأقول: استخلفت عليهم أتقاهم وأعلمهم وأفقهم وأورعهم وأشدهم في دين الله جل وعلا.
فبين فضل عمر رضي الله عنه وأرضاه.