اعلم أخي المسلم! أن لأهل الجنات صفات لا بد أن تتصف بها، فهلم حتى نتعرف على الصفات التي إذا اتصف بها صاحبها كان من أهل الجنات، وإلا فعليك أن تسعى سعياً حثيثاً لتتصف بها فتكون من أهلها.
فصفات أهل الجنة أربع، وهي تكمن في آيات بينات تتلى على مسامعنا ليل نهار، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُذكر بها في خطبه، وقد حفظتها المرأة من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، قال جل وعلا كاشفاً لنا كشفاً جلياً عن صفات أهل الجنان: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:31 - 33].
هذه هي الصفات التي وصف الله بها أهل الجنان الذين يرافقون النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وكأن الله جل في علاه أجمل ثم فصل لتتشوق القلوب، وتشرئب الأعناق إلى هذه الصفات، فقد أجمل هذه الصفات في كلمة واحدة، قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [ق:31]، فأجمل ثم فصل أعلى سمات وصفات هؤلاء المتقين.
فلننزع الستار عن هؤلاء المتقين، ثم لنعرض أنفسنا على صفاتهم، فإن كنا على صفاتهم فنحن الذين وصفنا الله جل وعلا، ويسر لنا طريق الهدى، وإلا فعلينا بالرجوع، فقد آن الأوان إلى الرجوع، حتى لا نندم في وقت لا ينفع فيه الندم.
فهؤلاء المتقون الذين يعملون بطاعة الله جل وعلا على نور من الله، فهم يتعبدون بعلم دون جهل، ويسارعون بعد تعلم العلم بالتعبد لله جل وعلا على علم، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] أي: على علم، فهم يعملون بطاعة الله، على نور من الله، يرجون ثواب الله، ويكفون عما حرم الله، على نور من الله، يخافون عقاب الله، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً من هؤلاء المتقين، الذين جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية من الطاعات والقربات والحسنات.
والتقوى منزلة يتوصل إليها العبد بالمحافظة على وظائف العبودية والمواظبة عليها، كما في الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).
أخي الكريم! هذه هي صفات المتقين، فإن أكرمك الله جل وعلا بالذكر والاستغفار وتلاوة القرآن في هذا الشهر الكريم فحافظ على هذه التلاوة، فإن كنت تقرأ جزءاً فاقرأ ربعاً، وإن كنت تقرأ ربعاً فاقرأ آية، ولكن داوم على هذه الطاعة، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وهذه هي صفات المتقين، فهم يواظبون على طاعة الله جل وعلا، ويسارعون إلى مغفرة الله جل وعلا، ولا يتقاعسون عن عبادة الله جل وعلا، قال الله جل في علاه مبيناً لنا مواظبة هؤلاء المتقين على العبادات، وكيف أنهم بالمواظبة نالوا درجة التقوى، قال جل في علاه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] أي: على الديمومة، وقال جل في علاه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، أي: بالمواظبة على هذه العبادات يرتقي المرء إلى درجة التقوى، وقال جل وعلا: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]، فسارعوا في الخيرات، وواظبوا على الطاعات، كي تنالوا درجة المتقين.