وقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]، ففي هذا الشهر الفضيل الكريم تكون الجنة أقرب إليك من شراك نعلك، فاغتنم هذه الفرصة، وسارع إليها وانتهزها، ولا تنم عنها ولا تغفل، فتخسر وتندم حين لا ينفع الندم؛ فإن هذا الشهر هو شهر السرعة إلى الله جل وعلا، وهو شهر الفوز بالجنان، والنظر إلى وجه الكريم المنان، وقد ورد في بعض الآثار: (ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها).
فشمر أخي الكريم عن ساعد الجد والاجتهاد، وأتبع الحسنة بالحسنات، والطاعة بالطاعات، وأكثر من الخير والصدقات، فإنها الجنة تشرئب إليها الأعناق: فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم وحي على السوق الذي فيه يلتقي المحبون ذاك السوق للقوم يعلم فما شئت خذ منه بلا ثمن له فقد أسلف التجار فيه وأسلموا وحي على يوم المزيد الذي به زيارة رب العرش فاليوم موسم فيا باغي الجنات! هذا هو شهر الإقبال، ويا باغي الفردوس! أسرع، فإن سقفها عرش الرحمن، وهرول بالطاعات لعلك ترافق النبي العدنان، وفيها النظر إلى وجه الكريم المنان، وإن أردت أن تكون من أصحاب الجنة فاعلم أن الله وصف أصحاب الجنة بصفات، فتأمل وتفكر وتدبر في نفسك واعرض نفسك على هذه الصفات، فإن تحليت بها فأنت أنت، وإن لم تتحل بها فسارع إلى الرجوع إلى الله، وإلى التوبة والحوبة، وتحل بهذه الصفات حتى تبشر بالجنة وأنت تمشي على الأرض.