والصوم عبادة، وكل عبادة تفتقر إلى نية، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (إنما الأعمال بالنيات)، فقبول الأعمال عند الله جل وعلا بالنيات, فيفتقر الصوم إلى النية.
والكلام على النية من وجهين: الوجه الأول: النية بمعنى الإخلاص, فما من عمل يقبل عند الله جل وعلا إلا بالإخلاص، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك, فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
الوجه الثاني: بمعنى أن العبادة تفتقر إلى نية، فلابد من تبييت النية بالصوم في كل ليلة، على خلاف بين العلماء كما سنبينه.
جاء في السنن عن ابن عمر وعن حفصة موقوفاً وعن عائشة متصلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يبيت النية من الليل فلا صيام له)، والنفي يعود على القبول، لا على الكمال، ولا على الوجود، يعني: أن الصيام غير مقبول عند الله جل وعلا حتى يبيت له النية من الليل على خلاف بين العلماء، فالجمهور من المالكية, والشافعية, والحنابلة, أنه لابد من تبييت النية من الليل، أما الأحناف فقالوا: للمرء أن ينوي الصيام من قبل الزوال, مثلاً: نام رجل من الليل واستيقظ صباحاً قبل الزوال في رمضان، فالأحناف قالوا: يتم صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، والرد عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يبيت النية من الليل فلا صيام له)، وهذا صريح من قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه لابد من تبييت النية من الليل.
واختلف الجمهور فيما بينهم: هل تبييت النية بالصيام يلزم في كل ليلة من رمضان، أم تكفي نية واحدة من أول الشهر؟ فالشافعية والحنابلة قالوا: لابد من تبيبت النية كل ليلة؛ لأن الحديث صريح: (من لم يبيت النية من الليل فلا صيام له)، فهو على الإطلاق.
والمالكية قالوا: نحن نستدل بهذا الحديث أنه على الإطلاق، فتكفي النية مرة واحدة، فإن الأصل في الأمر عدم التكرار إلا أن تأتي قرينة تدل على التكرار.
والصحيح الراجح والأحوط: أن يبيت النية في كل ليلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يبيت النية)، ونظرنا إلى العبادة التي قال فيها ذلك, فوجدناها كل يوم عبادة مستقلة بذاتها, فلابد من تبييت النية لكل يوم.
إذاً: لابد لكل امرئ أن يبيت النية من الليل, فمن لم يبيت النية من الليل ونام حتى استيقظ بعد طلوع الفجر وصام فلا صيام له, لكن يجب عليه الإمساك وعليه قضاء هذا اليوم.