إن المسائل التي تتعلق بهذا الحديث العظيم ثلاث مسائل: المسألة الأولى: مسألة إسبال الإزار، وهذا معترك دامٍ لا بد أن نبينه ونجليه، حتى أن كثيراً من الفقهاء يحملون المطلق على المقيد ويقولون: الإسبال المذموم فقط هو: الإسبال بخيلاء، ونحن سنفصل بإذن الله المسألة برمتها وأقوال الفقهاء فيها.
فمن الأدلة التي يحتج بها الفريقان: الحديث الأول: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، منهم: المسبل إزاره)، وهذا مطلق لم يقيده بشيء.
الحديث الثاني: ورد في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة)، وهذا تقييد، فالأول: كان مسبلاً بإطلاق، والثاني: قيده بالخيلاء.
الحديث الثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إزار المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج) -رفع الحرج فيه دلالة على الجواز، والأصل في السنة أن يرتفع إلى نصف الساق- أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين.
أي: إن كان بينه وبين الكعبين فلا حرج عليه، ثم قال: (من جر إزاره بطراًلم ينظر الله إليه)، وهناك حديث واحد يجمع هذه الأقسام الأربعة، وهو: (ما أسفل الكعبين ففي النار) فقسم النبي صلى الله عليه وسلم طول القميص إلى أربعة أقسام: القسم الأول: السنة: إلى نصف الساق.
القسم الثاني: الرخصة: وهو ما نزل من نصف الساق إلى الكعب.
القسم الثالث: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه).
القسم الرابع: ما كان إطلاقاً، وهو (ما أسفل الكعبين ففي النار).
الحديث الرابع: قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد: (الإسبال مخيلة).
وهذا حديث ممتع، فهو يفصل لنا كل الأقوال، حتى لا يستطيع أحد أن ينازعنا في شيء، ويحمل على الإطلاق، سواء أسفل الكعبين أو فوق الكعبين.
والحديث الخامس: قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه عندما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم حين مر على بيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من؟ قال: عبد الله، قال: إن كنت عبداً لله فارفع إزارك)، وكان قد أرخى إزاره تحت الكعبين.
الحديث السادس: الذي يتغنى به من يقول: بأن المسألة خاصة بالخيلاء، وهو أن أبا بكر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن إزاري يسترخي -يسقط- إلا أن أتعاهده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لست منهم يا أبا بكر!)، أي: لست ممن يفعل ذلك خيلاء.
الحديث السابع: قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه حين صلى بالناس، فجاء أبو لؤلؤة المجوسي -عليه من الله ما يستحق- فطعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فأخذ عمر بيد عبد الرحمن بن عوف وجعله إماماً، ولما أتم الصلاة استقبل بجنبه الأرض، فدخل رجل يمدح في أمير المؤمنين، فقال: تشهد الله إذا سألك على ذلك؟ قال: أشهد الله على ذلك، فلما ولى الرجل نظر عمر بن الخطاب إلى ثوبه فوجده تحت الكعبين، فقال: إلي بالرجل، فقال له: يا بني! ارفع ثوبك، أو قال: ارفع إزارك يكن مرضاة لربك، مطهرة لثوبك.
وهذا الحديث سنحتج به على من يخالف القول: بأن المسألة على العموم.