ما من أحد إلا سيقف أمام ربه فيكلمه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب، فيسمع الله عز وجل، ويبين له ما فعل وما عمل وما ترك، وما اقترفه، وكيف اقترفه، وذلك كما بين النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان).
فأما المؤمن فينظر إلى يمينه فلا يجد إلا ما قدم، وينظر إلى شماله فلا يجد إلا ما قدم، وينظر إلى أمامه فلا يجد إلا النار فيظن أنه قد هلك، فيقول الله جل في علاه: (عبدي قد سترت عليك ذلك في الدنيا، وسأغفرها لك في الآخرة).
وأما الكافر والعياذ بالله فسيكلمه الله جل في علاه -وقد وردت الأدلة الثابتة بذلك- فيقرره بنعمه ويكبته ويعذبه على ذلك.
ومن هذه الأحاديث التي تثبت ذلك: أن الله جل في علاه يقول: (أما يرضيك أن يكون لك شاهد من نفسك على نفسك؟ فيختم على فمه، فتتكلم الأيدي والجوارح بما عملت، ثم يقول: خبتم وخسرتم! والله كنت أنافح عنكم ومازلت أنافح عنكم).
وأيضاً: فإن الله سبحانه عندما يحشر العبد الكافر يقول له بعد ما يرى عذاب الله جل في علاه: (أرأيت لو امتلأت الأرض ذهباً أكنت تفتدي به من عذاب النار؟ فيقول: اللهم نعم، فيقول الله جل في علاه: قد طلبت منك ما هو أهون من ذلك وأنت في صلب آدم، طلبت منك أن تعبدني ولا تشرك بي).
ونحتاج إذا قررنا بهذه الأدلة إلى تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله).
فإن عرصات يوم القيامة كثيرة وليست عرصة واحدة، فلابد من عرصة يكلمهم الله جل في علاه ويقررهم بذنوبهم ويعذبهم على ذلك، ومن نوقش الحساب -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- عذب، وبعد ذلك لا يكلمهم في بقية العرصات.
أو أن الله لا يكلمهم كلام رحمة وأمل، وإنما يكلمهم كلام تبكيت وتوبيخ ونذارة، حيث يقول سبحانه: {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق:28] فيمحو الله كل حجة لهم، وكذلك يؤول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا ينظر إليهم).
حيث أن الله ينظر إليهم، ولكن لا ينظر إليهم نظر رحمة، بل نظر سخط لكبائر ارتكبوها إجمالاً.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم) أي: أن لهم عذاباً أليماً في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فلا يزكيهم؛ لأن الكبر دنس في القلب والله لا يزكي قلباً فيه كبر.
وأما في الآخرة فلا يدخل الله عبداً الجنة أضمر في قلبه ذرة من كبر، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).
والعذاب الأليم نوعان: معنوي، وحسي.
فالعذاب في الدنيا محو البركة كما تمحى بركة الذي ينفق السلعة بالحلف الكاذب.
وأيضاً: لا راحة في القلب، ثم بعد ذلك العذاب المؤلم يوم القيامة.