من أسباب ظاهرة طول الأمد وضعف التدين عند كثير من الناس التأثر بعمليات الحملات الإعلانية التي لا ييأس أعداء الله في وسائل الإعلام ليل نهار من التشويه والتحريض على المتدينين ووصفهم بالصفات المنفرة، كالتطرف والتزمت والرجعية وغير ذلك، خاصة إذا كان الإنسان يُعرض نفسه لهذه الإشعاعات المدمرة، ولو أنه جعل بينه وبين وسائل الإعلام الخبيثة سوراً لحمى نفسه من تأثيرها، لكن إذا كان يلتفت إليها فلا شك أنه سوف يتأثر برؤية وجوه الظالمين، وبرؤية وجوه العصاة والمجرمين، ألا ترى إلى قصة جريج العابد حينما نادته أمه وهو يصلي ثلاثاً فلم يجبها، وكان في كل مرة يقول: أي رب! أمي وصلاتي! فيقبل على صلاته، فدعت عليه أن لا يموت حتى يعاقب بعقوبة معينة، فقالت: (اللهم! لا تمته حتى يرى وجوه المومسات) أي: الزانيات من النساء.
فهذه عقوبة أن تقع عين الإنسان على هؤلاء المجرمين والمجرمات، فكيف بتعمد ذلك؟! وهكذا القلب السليم يحس بذلك، فنحن الآن ندفع الأموال حتى نجلب سخط الله ونشتري النار بالنقود، عذاب وفقدان مال، نشتغل بالأفلام والفيديو والتلفاز، ونجلس أمامه خاشعين صامتين كأننا في محراب العبادة والتبتل، وبأنفسنا نجلب ما يغضب الله ويسخطه، ونفتح على المجلات والجرائد، وننظر إلى ما حرم الله عز وجل النظر إليه، ثم نقول: إننا من أحسن الناس، وليس بعد التزامنا التزام.
فمن آثار هذه الظاهرة استجابة بعض الناس وخضوعهم أمام هذه الحملات، وتأثرهم بها، خاصة الأوساط المنفرة، فإن من أساليب الشيطان وأوليائه أن ينفروا من الحق بتغيير الألفاظ والتعبير عن الحق بالألفاظ المنفرة القبيحة المذمومة، يقول الشاعر: تقول هذا مجاج النحلِ تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير فيعبرون عن الحق ويلبسونه ثوباً منفراً، حتى يصدوا به الناس عن دين الله تبارك وتعالى، فما هو التطرف؟ التطرف: الأخذ بأطراف الأمور.
أي: الابتعاد عن الوسط.
وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
الحق وسط، والأمة هذه هي أمة الوسط، والدين هو دين الوسط: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] عدولاً، وخير الأمور الوسط، لكن أي وسط؟ ما هو المقياس الثابت؟ وما هو هذا الوسط؟ الوسط: هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن حاز عنه يمنةً أو يسرةً فهذا هو المتطرف الذي انحرف عن الميزان الوسط المعتدل القوام، فالشخص الذي ينحرف عن هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإفراط أو تفريط بغلو أو جفاء هو المتطرف، ففي الحقيقة هم المتطرفون حينما يستحلون ما حرم الله، وحينما يزينون المعاصي للناس، وحينما يخالفون هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أيضاً من هذه الأسباب التي أضعفت إلى حدٍ ما التزام كثير من الناس أن هناك بعض الجماعات المنسوبة إلى الدعوة الإسلامية تقدم للناس نماذج ممسوخة لهذا الالتزام، إرضاءً لأهواء الناس، وربما تكثيراً للأعداد دون مبالاة بالكيف والتربية، فيحصل التسيب الفقهي، ويحصل الاستهتار ببعض الأشياء من السنة أو من الدين، فما من شك أن الإنسان إذا فرط في الشيء الصغير أو اليسير فالصغير إلى الصغير يصيره كبيراً كما قال الشاعر: لا تحقرن شيئاً من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يعود كبيراً إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مفصل تفصيلاً وقال عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحقرات الأعمال! فإن لها من الله قالباً) وقال أنس: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الموبقات).