ومن هذه الأسباب أيضاً الانفتاح على رفقاء السوء وهجر الصالحين من عباد الله تبارك وتعالى؛ لأن الصالحين حتى لو لم يتكلموا تنتفع برؤيتهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أولياء الله الذين إذا رءوا ذُكر الله) وربما يمشي الإنسان أحياناً في الطريق ويكون غافلاً عن ذكر الله، فيجد رجلاً ماشياً في الطريق يذكر الله، أو له هيئة تدل على الصلاح والسمت الصالح، أو بمجرد أن تقع عينك عليه تتذكر وترى فمه لا يفتر عن ذكر الله فتقتدي به، وإذا رأيته تذكر الله، فهذا رجل ممن يذكرون الله، فتجد بركته تعود على كل من يقترن به ويتحقق فيه الدعاء أو الوصف: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم:31] ينتفع به الناس حيث كان، فهؤلاء هم الذين إذا رءوا ذُكر الله تبارك وتعالى، فالإنسان يهجر إخوانه الصالحين الذين ينبهونه إذا غفل، ويذكرونه إذا نسي، وكثير من الناس يقول: أنا أريد أن أعتزل الإخوة؛ لأن فيهم عيوب كذا، وفيهم أناس يقصرون في كذا.
لكن ما من شك أن الملتزمين بدينهم أقرب إلى الحق من غيرهم، الخير غالب عليهم، وبعض التقصير الذي يوجد في أحد من الناس لسبب أو لآخر إنما هو من آثار صفة البشرية، فهم ليسوا معصومين، والإنسان إذا هجر إخوانه الذين يعينونه على العلم وطاعة الله، وذكر الله، وصلاة الجماعة والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما من شك أن هؤلاء كالماء بالنسبة للسمك، إذا خرج منه ربما لا تبقى فيه حياة، فهذه حقيقة الأخوة في الله تبارك وتعالى، فإذا هجر إخوانه هل سيذهب ويعتزل في الجبال أم ينغمس تماماً في مجتمع كل ما فيه يبعده عن الله ويقصيه عن طريق الله؟! فإذا استبدل صحبة الخير بأناس لا يعظمون الدين فينضح ذلك عليه، ويضعف التزامه إذا أحاط نفسه بمن لا يعظمون ما يعظمه الله تبارك وتعالى.
أيضاًَ ضعف الهمة والفتور الذي يصيب الناس بمرور الوقت، وهذا سنزيده إيضاحاً إن شاء الله فيما بعد.