إننا إذا رجعنا إلى أولي العلم وأولي الخبرة في المجالات الدنيوية أو الاقتصادية أو الشرعية في هذا الأمر فسوف ندرك أننا في الحقيقة كنا ضحية لكثير من التضليل السحري الذي تأثرنا به، وهو السحر الإعلامي، والمشكلة هي عدم التوازن بين الموارد والطاقات، وبين عدد السكان والاحتياجات، نعم هي مشكلة، لكنهم أفهمونا وأوقعوا في شعورنا أنه لا حل إلا هذا الحل، في حين أن الحلول كثيرة جداً، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، كما سنبين إن شاء الله تعالى.
بل إن المعروف في علم الاقتصاد أن عوامل الإنتاج ثلاثة: الأرض، والإنسان، ورأس المال.
وأعظم هذه العوامل هو الإنسان، فالنسل هو في حد ذاته ثروة من أعظم الثروات، ويكفي أن كثرة النسل هو أحد العوامل التي تحسب بها الأمة في عداد الأمم الكبرى أو القوى الكبرى.
فيصبح حالنا ونحن نهرب من مواجهة هذه المشاكل كمثل من بيده كنز من ذهب، وهو لا يستطيع أن يصنع من هذا الكنز نقداً ولا حُلياً ولا شيئاً مما ينفع الناس فيلقي هذا الكنز في البحر ليتخلص من أعباء تصنيعه أو الانتفاع به! إن المقدار المستغل من الأراضي في مصر يبلغ 7%، مع أن مصر عبارة عن واحة في وسط صحراء كبرى، ولو تم توزيع أرض مصر على سكانها لبلغ نصيب كل فرد كيلو متراً مربعاً، وهذا معدل غير موجود في أغلب بلاد العالم.
ونحن الآن نتكلم عن النسل، في حين أنك تجد التصريحات الرسمية تعلن عن اهتزاز اقتصاد البلد عند حصول خلل في تحويلات المصريين العاملين في الخارج، أليس هذا نسلاً؟! أم أن هؤلاء خشب وجمادات؟! فهؤلاء هم بشر، وهذه ثروة من أعظم الثروات التي تخدم الاقتصاد، وهي تحويلات المصريين الذين هاجروا وعملوا في الخارج، فلو تأملنا الحقيقة فإننا سنجد أن أرض الله ليست ضيقة، بل ما زالت واسعة كما قال الله: {أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً} [النساء:97]، ولكن العقول هي الضيقة، كما قال الشاعر: لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيقُ فلو أن إنساناً عنده ثوب قصير لا يستر كل أعضاء بدنه، فهل من العقل أن يهذب هذا الجسد ويقطعه كما تُقطَّع أغصان الشجر؟! أم أن من العقل أن يفكر في زيادة حجم الثوب إلى أن يتناسب مع هذا البدن؟! هذا هو الحل المنطقي.
فدعاة تحديد النسل لم يدفعهم إلى ذلك الخوف على الأمهات، ولا فعلوا ذلك من أجل الحرص على سلامة الأم، بل هم يحاولون أن يأتوا إلى الناس من الباب الذي يقنعهم، فيقولون: صحتك وسلامتك وكذا وكذا، ويبالغون في وصف هذه الأشياء، فهم لا يريدون الحفاظ على حياة الأم أو صحتها، ولا دفع الضرر عنها، بل كل الجهود والأموال مبذولة من أجل الناحية الاقتصادية، زاعمين أن كثرة الإنجاب تورثهم الفقر، وجعلوا من أنفسهم قوامين على الفقر والغنى والكسب والارتزاق، ولا هَمّ لهم إلا عمل الإحصاءات وتقسيم الأرزاق، وليس هذا في الحاضر فقط، بل على مدى المستقبل البعيد، فيحسبون بطريقة تلك الساعة التي أهدتها لهم أمريكا: كم يكون عدد سكان مصر في عام (2000م) مثلاً؟ ثم يقسمون ما يكون من الرزق على كل فرد فيكون نصيب الفرد كذا وكذا!! أفلا يتذكرون قوله عز وجل: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:32] فهذا فعل من أفعال الربوبية، ويقول الله عز وجل: {قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء:100]، فخزائن الله ليست بأيدينا ولا بيد أحد من البشر، إنما هي بيد العزيز الوهاب ذي الطَّول والإنعام، فجهدهم هذا جهد موزور لا أجر فيه؛ لأنه جهد ينافي مقاصد الشريعة، ويزيّن للناس ما منعه الشرع، وهذا من الإثم ومن الوزر.