استعرضوا ما شئتم من سيرة المهتدين والصالحين الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه، فستجدون أن الله يحفظ الفرد والأسرة والجماعة بحفظها أمانة الله تبارك وتعالى.
وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة الذين دخلوا الغار، وجاء السيل فانحدرت بسببه صخرة فأغلقت باب الغار، فكيف نجاهم الله تبارك وتعالى؟ نجاهم؛ لأن كل واحد منهم سأل الله بعمل حفظ الله تبارك وتعالى فيه: فأحدهم: حفظ المال الكثير ورده إلى صاحبه، والآخر: أتته فرصة للزنا سهلة ميسرة، ولكنه خاف الله تبارك وتعالى، والثالث: كان يبر والديه، فكل واحد منهم كان يذكر حالة حفظ فيها أمانة الله عز وجل فيتوسل إلى الله بها، فتنفرج عنهم الصخرة قليلاً، حتى إذا ما أتم الثالث دعوته انزاحت الصخرة عن الغار فخرجوا يمشون، لقد قبروا وهم أحياء، ولا يعلم بهم أحد، أو يعرف مكانهم أحد، إلا رب العزة سبحانه وتعالى.
وبمَ أنجى الله نوحاً؟ وكيف أنجاه؟ لقد أهلك الله الظالمين الذين رفضوا أمانة الله ورسالته، ورفضوا أن يحفظوا الله تبارك وتعالى في أمانته، وأصروا أن يعيشوا كما يشتهون وكما يحبون، فدمرهم الله، ونجى نوحاً والذين آمنوا معه، كما قال سبحانه: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر:13].
ولو تأملنا كيف نجى الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام والمؤمنين؟ وكيف أهلك الكافرين؟ وعندما رمي ذو النون في البحر فالتقمه الحوت قال الله عنه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء:87] أي: في بطن الحوت، فاجتمعت عليه ظلمة الحوت ثم ظلمة قعر البحر، ومع هذا ينادي رب العزة تبارك وتعالى من أعماق البحار قائلاً: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فقال الله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88]، وليست هذه خصوصية لذي النون عليه السلام وإنما هذا يتحقق لكل مؤمن، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38].
هذه هي سنة الله تبارك وتعالى في المؤمنين الذين يستقيمون على طاعته سبحانه، والذين يحفظون حدوده، ويحكمون بأمانته تبارك وتعالى في خلقه.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك)، كقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3].
إن سنة الله تبارك وتعالى في عباده أن الإيمان يحدث خيراً في نفس الإنسان، وفي واقعة، ويحدث خيراً له بعد أن يبعثه الله تبارك وتعالى عند أن يجمع الأولين والآخرين.