سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسير الصحابة وسير الصالحين من هذه الأمة مليئة بالصور التي حفظهم الله فيها، تأملوا معي هذه في الحقيقة، وانظروا إليها بعيون مفتوحة، وبصائر مدققة، فستجدونها قصة تتكرر في كل حين، وفي كل عصر، بل قد تتكرر في كل يوم يقع فيه ظلم أو فساد في الأرض.
إن الله تبارك وتعالى ينجي الصالحين، ويأخذ الظالمين المفسدين، فإذا ما أجلت العقوبة في الدنيا فإن هناك عقوبة أكبر للذين يتمردون على هذا الدين وعلى هذه الشريعة، وانظر كيف أنجى الله الرسول صلى الله عليه وسلم من كيد الكافرين في مكة، وكيف حفظه، وعندما خرج من مكة خرج وليس معه قوة تحميه، وإنما معه رجل واحد أعزل من السلاح، فانظر كيف نصره الله، قال عز وجل: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، أي: لا تحزن يا أبا بكر لما تراه من إحاطة الكافرين بالغار.
وانظر كيف نجى الله المؤمنين حي تألبت عليهم القوى الكافرة، واجتمعت كل تلك الأحزاب على العصبة المؤمنة في المدينة المنورة، وأحاطت بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، كما قال عز وجل: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10]، فماذا فعل الله تبارك وتعالى؟ قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب:9].
فنصرهم الله تبارك وتعالى، وأيدهم بجنود من عنده، ومن جنوده الملائكة والريح، فإن الله قد يرسل الملائكة يمد بهم المؤمنين، كما أمدهم بهم في معركة بدر، وفي حنين، وفي غيرهما من المعارك، وهذا ليس مقصوراً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هذه حالة دائمة، كما قال الله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51].
ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم الآنفة الذكر هي لكل فرد في الأمة، وللأمة جميعاً، فقوله: (احفظ الله يحفظك)، أي: عندما تحفظه في نفسك، ومالك، وأهلك، وفي قولك وفعلك، وعندما تحفظه في الأمانة التي أنزلها إليك، وعندما تفعل ما يأمرك به ابتغاء مثوبته، وتترك ما ينهى عنه خوف عقوبته، وعندما تحفظ الله تبارك وتعالى في كل أمورك فإن الله عز وجل سيحفظك، فوصية الرسول صلى الله عليه وسلم للغلام الصغير من المسلمين هي وصيته للمسلمين جميعاً.