إذا عرفنا أننا بأمس الحاجة إلى أن ننجو من العذاب، كيف ننجو من العذاب؟ بمعرفتنا بما ينجينا من معرفة الحلال والواجب لنفعله، والمحرم لنجتنبه، ولا يكون ذلك إلا عن طريق العلماء، والعلماء إذا أطلقوا يراد بهم أهل العلم والعمل؛ لأنه قد يوجد بين ظهراني الناس من يسمون علماء، وهم في الحقيقة لا يستحقون هذا الاسم؛ لأن الوصف بالعلم تشريف، ورفعة في الدنيا والآخرة، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] هذا وصف تشريفي، فكيف يستحقه من يحمل شيئاً من العلم وهو لا يعمل به؟ يسمع الأمر والنهي في الكتاب والسنة ويخالف، يتثاقل عنه، ويسمع النهي الصحيح الصريح ويرتكبه، وعلى هذا المقرر المحقق أن ما يحمله الفاسق ليس بعلم؛ لأن العلم في الحقيقة ما نفع، وهذا لم ينتفع بعلمه، والعلم ما أورث الخشية، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] فالذي لا يخشى الله -جل وعلا- ليس من العلماء، ولذا جاء قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] هل من شرط قبول التوبة أن لا يعرف الإنسان الحكم؟ يعني الذي يعرف حكم الزنا ويزني تقبل توبته وإلا ما تقبل؟ نعم؟ تقبل، الذي يعرف أن شرب الخمر حرام ويشرب تقبل توبته وإلا ما تقبل؟ إذاً هو يعرف الحكم، ولارتكابه ما يخالف هذه المعرفة سماه الله -جل وعلا- جاهلاً، ولذا يقرر أهل العلم أن كل من عصى الله فهو جاهل، وجاء في الحديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ولذا جزم ابن عبد البر أن كل من يحمل العلم عدل، كل من يحمل العلم عدل.
قلت: ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهنِ
فإنه عدل بقول المصطفى ... (يحمل هذا العلم) لكن خولفا