الحاجة إلى الأنبياء ضرورية كما أسلفنا إذ لا يمكن الوصول إلى تحقيق الهدف إلا عن طريقهم، ثم بعد ذلك الحاجة ماسة إلى ورثة هؤلاء الأنبياء وهم العلماء، العلماء الربانيون الراسخون الذين حملوا العلم، مما جاءهم عن طريق الأنبياء حملوه بحق وأدوه بحق، ولا يتمارى اثنان في أن الحاجة إلى العلماء أمس من الحاجة إلى الطعام والشراب، يتصور الإنسان نفسه وليس عنده شيء من مبادئ العلوم، في بلد ليس فيه عالم ولا تعليم، كيف يعبد الله -جل وعلا-؟ كيف يصلي؟ كيف يزكي؟ كيف يصوم؟ كيف يحج؟ كيف يتعامل مع الناس؟ ولذا ذكر الآجري في أخلاق العلماء مثالاً لحاجة الناس إلى العلماء، فقال: "مثل العلماء ومثل الناس بهم وبدونهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة في وادٍ مسبع، فيه سباع ووحوش وأشجار وحيات وعقارب، في ظلام دامس، يسيرون لا يدرون على ما يطئون، وما يواجههم، ولا إلى أين يتجهون؟ فجاءهم شخص بيده مصباح فأنار لهم الطريق حتى أخرجهم من هذا الوادي المظلم، يعني هؤلاء هل هم بحاجة إلى صاحب المصباح؟ بحاجة ماسة، يعني وإذا تصورنا هذه الحاجة أن غاية ما يدعو إليها طلب السلامة من الموت الذي هو أعظم ما يواجه الإنسان، والموت نهاية لكل حي، وبعد ذلك يواجه ما قدم، وماذا خسر؟ خسر الدنيا، خسر ما بقي من عمره على حد زعمه من الدنيا، ما الذي يخسره من فقد العلم والعلماء؟ يخسر الآخرة، وموضع سوط من الجنة يعدل الدنيا وما فيها، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، كيف نعرف حقيقة هذه الدنيا؟ ونحن نقضي الأوقات الطويلة فيما لا ينفع، فضلاً عن كوننا نقضيه فيما ينفعنا في أمور دنيانا، غير ملتفتين إلى ديننا، وما ينفعنا في الآخرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015