وهذه الطاعة إنما تكون في الأعمال الخاصة كما كان -عليه الصلاة والسلام- يتخذ حجيرة ويعتزل الناس، وعلى هذا جرى أزواجه وأصحابه من بعد، ولذا أهل العلم قاطبة يعطلون الدروس في هذه الليالي وفي هذه الأيام فلا تجد منهم من يدرس في هذه الليالي وإن كان معتكفاً في المسجد ليخلو بربه ويتعبد بالعبادات الخاصة اللازمة من صلاة وذكر وتلاوة وتفكر وتأمل وتدبر لكلام الله -جل وعلا-، فيعمر هذه الأوقات بطاعة الله -جل وعلا-، خلاف ما يفعله بعض من يعتكف في هذه الأيام التي كثرت فيها وسائل الراحة وصعب على النفوس تركها بعض الناس يكون معتكف؛ لكن ما نصيبه من الصلاة؟ التراويح والرواتب والفرائض ولا أكثر ولا أقل، الاعتكاف، معتكف لأي شيء؟ ما نصيبه من تلاوة القرآن؟ يقرأ جزء جزئين ثم يمل وينام، وإلا يكلم الجوال، بعض الناس عنده تلفون، وبعض الناس يزاول حياته العادية يؤتى له بالصحف والجرائد وقراءته للأخبار، هذا اعتكاف؟ إذا كان أهل العلم يعطلون تعليم القرآن والسنة؛ لأن النفس تحتاج لتربية، القلب يحتاج إلى صلة بالله -جل وعلا-، كيف تقوى هذه الصلة؟ تقوى بمثل هذا، بالانجماع والانكفاف عن الناس والاعتزال وقطع العلائق، بهذا يؤتي الاعتكاف ثماره، والاعتكاف أقل ما يطلق عليه الاعتكاف ما ينصرف إليه المعنى اللغوي وهو: طول المكث في المكان.

أما من يقول: إذا دخلت المسجد انوي الاعتكاف ولو لحظة هذا ليس باعتكاف لا لغوي ولا شرعي، هذا ليس اعتكاف، ومع الأسف أن يوجد في بعض الاسطوانات في بعض المساجد التي تلي الباب مباشرة نويت سنة الاعتكاف، ليذكر الداخل، نويت سنة الاعتكاف، هذا اعتكاف هذا؟ أولاً كلمة: نويت هذه بدعة، إذا جئت من بيتك قاصداً بيتاً من بيوت الله -جل وعلا- لتمكث فيه من أجل أن تعبد الله -جل وعلا- هذا اعتكاف؟ ما يحتاج أن تقول: نويت سنة الاعتكاف، هذه من البدع، كما يقولون: نويت الصلاة، نويت الصيام.

فالاعتكاف في العشر الأواخر أفضل من غيرها، ولا يصح إلا في مسجد تصلى فيه صلاة الجماعة؛ لئلا يضطر لكثرة الخروج لأداء الصلاة مع الجماعة في المساجد الأخرى، وهذا ينافي مقتضى الاعتكاف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015