المكروه الثامن: الإقعاء.
والإقعاء: أن يضع المصلي أليتيه على عقبيه بين السجدتين، والعقب هو مؤخر القدم، وهو الذي يسمى العرقوب، فبعض الناس في الصلاة يجلس فيضع أليتيه على عقبيه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عقبة الشيطان، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فلا يقعين إقعاء الكلب).
إلا أنه قد ثبت في الصحيح أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يجلس على عقبيه بين السجدتين، فقال له طاوس: إنا لنراه جفاءً بالرجل، فقال ابن عباس: هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وطاوس بن كيسان رجل يماني فقيه من تلاميذ عبد الله بن عباس، وكان ابن عباس يقول: والله إني لأظن طاوساً من أهل الجنة، فقد كان من الصالحين ومن العباد ومن العلماء الفضلاء.
وثبت أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول: إنه من السنة.
وعن طاوس قال: رأيت العبادلة يقعون.
والعبادلة هم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، هؤلاء هم العبادلة، لكن هل أدرك طاوس ابن مسعود؟ المهم أنَّ هؤلاء كلهم عبادلة رضي الله عنهم وأرضاهم.
يقول طاوس: رأيت العبادلة يقعون.
قال الحافظ ابن حجر: وأسانيدها صحيحة.
وعندنا هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن عقبة الشيطان، وقال: (إذا صلى أحدكم فلا يقعين إقعاء الكلب)، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن التشبه بالحيوانات، ونهانا عن التشبه بالنساء، قال ابن القيم رحمه الله: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة عن التفات كالتفات الثعلب، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونهانا صلى الله عليه وسلم أن يرفع أحدنا يديه في الصلاة كأذناب الخيل الشمس، فبعض الناس في التشهد وهو قاعد والإمام في تشهده يحرك يديه كأنه يقول للإمام: أرحنا فيحرك يديه كهيئة الفرس إذا رفع ذيله.
فالنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن التشبه بالكلب، وعن التشبه بالثعلب، وعن التشبه بالذئب، وعن التشبه بالغراب، وعن التشبه بالسبع، ونهانا عن افتراش كافتراش السبع بأن يضع الإنسان ذراعيه على الأرض حال السجود، وذلك أن بعض الناس من كسله لا يسجد على كفيه، وإنما يمد ذراعيه على الأرض، فهذا -أيضاً- من المكروهات في الصلاة؛ لأن فيه تشبهاً بالحيوانات، فالإقعاء والافتراش والنقر والالتفات وتحريك الأيدي هذا كله فيه تشبه بالحيوانات.
وهذا النهي ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عن ابن عباس وابن عمر وسائر العبادلة أنهم كانوا يقعون، بمعنى أن أحدهم كان يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، ومن هنا اختلف العلماء رحمهم الله، فقال الإمام أبو سليمان الخطابي صاحب شرح سنن أبي داود رحمه الله: الإقعاء منسوخ، ولعل ابن عباس لم يبلغه النهي.
وأنكر هذا النووي وابن الصلاح، وقال البيهقي والقاضي عياض وجماعة من المحققين: إن الإقعاء المنهي عنه هو الذي يكون كإقعاء الكلب، وإقعاء الكلب هو أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض.
والإقعاء الذي صرح ابن عباس وغيره أنه من السنة هو وضع الأليتين على العقبين، وتكون الركبتان على الأرض، وهذا ليس فيه كراهة إن شاء الله.