الإمامة من أشرف المناصب وأجلها وأرفعها؛ لذا كان لا بد لها من شروط؛ لأن الإمامة العظمى وهي رئاسة الدولة أو الخلافة لها شروط كذلك، فلا يصلح كل شخص للإمامة في الصلاة: والشروط المعتبرة للإمام عند المالكية هي: أول شرط: الذكورة، فلا تصلي بالناس امرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم) فالمالكية رحمهم الله استدلوا بهذا الحديث على: أن المرأة لا تؤم رجالاً، ولا نساء، وهذا خلاف قول الجمهور الذين قالوا: إن المرأة تصلي بالنساء وتقف في وسطهن، ولم يخالف في عدم جواز إمامة المرأة الرجال في الصلاة إلا الإمام الطبري لو صحت الرواية عنه، والإجماع منعقد على أن المرأة لا تؤم الرجال.
ووجه استدلال المالكية في عدم جواز إمامتها للرجال والنساء: أن كلمة القوم معني بها الرجال، والدليل أن الله عز وجل قال: {لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات:11] ثم قال: {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} [الحجرات:11] واستدلوا بقول القائل: وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء والمقصود أرجال آل حصن أم نساء والصحيح -والعلم عند الله تعالى- هو قول الجمهور، وهو أن المرأة تصلي بالنساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لـ أم ورقة رضي الله عنها أن تتخذ مؤذناً، وأن تؤم نساء دارها.
الشرط الثاني: الإسلام، وهذا لا نقاش فيه؛ لأن الكافر لا يصح منه عمل أصلاً، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23].
وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ} [النور:39].
وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِف} [إبراهيم:18].
وقال: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88].
الشرط الثالث: العقل؛ فالمجنون لا تصح إمامته، وكذلك السكران، لأن قد يصلي العشاء ركعتين، والفجر ثمان وقد يركع في الركعة الواحدة ثلاث ركعات، وقد يفعل الأفاعيل المبطلة للصلاة.
الشرط الرابع: البلوغ، فلا تصح إمامة الصبي؛ لأن الصلاة في حقه نافلة.
وعند المالكية: لا يصح أن يأتم المفترض بالمتنفل، ومثلهم الحنفية في عدم جواز إمامة الصبي، وكذلك الإمام أحمد رحمه الله في قول له، لكن الصحيح أنه يجوز أن يصلي الصبي بالناس، ولا فرق في ذلك بين فريضة أو نافلة، ودليل ذلك: حديث عمرو بن سلمة الذي رواه البخاري قال: (لما كانت وقعة الفتح؛ قدم الناس بإسلامهم وبادر أبي بإسلام قومه ثم جاءنا فقال: قدمت من عند رسول الله حقاً، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة؛ فليؤذن أحدكم؛ وليؤمكم أكثركم قرآناً؛ فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني؛ لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت عني البردة -يعني: إزار صغير فكان إذا سجد تقلصت البردة- فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا سوءة قارئكم؟ قال: فاشتروا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص).
الشاهد من الحديث أنه صلى بالناس وهو ابن ست أو سبع وهو صبي.