قال صلى الله عليه وسلم: {من القوم؟ -أو من الوفد؟ -} وجوابهم هنا يختلف عن جواب الأزد، قبائلنا التي مرت معنا، لأنه لما سأل صلى الله عليه وسلم عن أسمائهم قال: {من القوم؟ قالوا: المؤمنون} وهو صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يعرف أنهم مؤمنون، لكن يريد أن يقول: أأزديون أم من ربيعة، أم من مضر أم من غطفان؟ لكنهم قالوا: مؤمنون، فتبسم صلى الله عليه وسلم.
أما القوم: فهم القوم الكثير الذين قامت بهم قوامة الحياة أو مجتمعهم، وأما الوفد: فهم العدد القليل الذين وفدوا وهم خيرة الناس، ولذلك كان العرب من عادتهم أنهم إذا أرسلوا وفداً اختاروا العقلاء الذين يحسنون الكلام والأخذ والعطاء؛ لأن العاقل يحسن التصرف.
روى أهل العلم في ترجمة أبي حنيفة -رحمه الله- أنه دخل عليه رجل، وكان هذا الرجل حسن الزي واللباس -وهذا ينفعنا في التربية، أننا نعتني بظواهرنا، لأن عقول الناس في ظواهرهم، ولذلك يقدرك الناس على قدر لباسك وشارتك، فإذا تكلمت قدَّروك على قدر كلامك- فدخل رجل على أبي حنيفة حسن الزي والحلية، عليه لباس فاره، وعمامة، فكان أبو حنيفة ماداً رجله، ولما رأى هذا الرجل قبض رجله، فجلس الرجل فلم يتكلم، فهابه أبو حنيفة وأخذ يُوقره، فلما طال المجلس قال أبو حنيفة والتفت إلى الرجل: ألك مسألة؟ قال: نعم.
لي مسألة، قال: وما هي؟ قال: متى يفطر الصائم؟ قال: يفطر الصائم إذا غربت الشمس.
قال: فإذا لم تغرب الشمس إلا منتصف الليل فمتى يفطر؟
فقال أبو حنيفة: آن لـ أبي حنيفة أن يمد رجليه كلتيهما، لا يأتي الليل والظلام إلا بغروب الشمس.
فالعرب من عادتهم أنهم كانوا يختارون عقلاءهم.
وقد روى صاحب مروج الذهب أنه لما أتى النعمان بن المنذر يطلب وفود العرب اختاروا عشرة أشخاص، منهم: الشاعر، والخطيب، والعاقل العربي، وأحلم العرب، فأرسلوهم في موكب، قال الراوي: فدل ذلك على أن عادة العرب أنهم يُرسلون خيارهم، فكان وفد عبد القيس من خير وفود العرب.