هذا حديث جميل وعظيم وهو من أجل الأحاديث في الإسلام، رواه ابن عباس.
أما وفد عبد القيس فهم من البحرين، التي تسمى الآن: الأحساء، وليست البحرين المعروفة الآن.
أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن وفود العرب، فقال: {مرحباً بالقوم} وقبل أن يقول: مرحباً بالقوم، يقول: {من القوم؟} وهذا من حسن الضيافة.
ومن فقه هذا الحديث: أنك تسأل ضيفك إذا دخل بعد أن يجلس ويشرب ويرتاح تقول له: من أنت؟ لا توقفه عند الباب وتأخذ بتلابيبه، وتقول: من أنت؟ وما رقم سيارتك؟ وما رقم تابعيتك؟ ومتى ولدت؟!!
فهذا ليس بوارد عند المسلمين، لكن المقصود أنك تسأله سؤال استئناس، يقول الله عز وجل لموسى عليه السلام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] الله يعلم أنها عصا، ويعلم من أين أتت العصا! فقال: هي عصاي، وارتاح للخطاب واستأنس، قالوا: ملاطفة الله سبحانه لموسى لأن من أدب الضيافة أن تلاطف الضيف، يقول الأزدي:
أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب
يقول: من عادتي ومن كرمي أنني أُحادِث الضيف وهو يحط رحله عن الجمل أو الفرس، فأقول: كيف حالكم وكيف أصبحتم؟ وهل أتاكم من أمطار ومن خير؟
أما أن يسكت الإنسان ويصمت ويقطب جبينه، فلو ذبح ما في الدنيا ما ارتاح له الضيف، سيضطر للرحيل:
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب
وعند الترمذي بسند فيه ضعف: {إذا عرف أحدكم أخاه، فليسأله عن اسمه ونسبه فإنه واصل المودة} أي: أنك إذا عرفت شخصاً تقول له: ما اسمك يا أخي؟ وأين تسكن؟ ومن أي قبيلة؟ ولا مانع أن تسأله عن قبيلته، وليس هذا من التعصب ولا من التمييز العنصري الذي في جنوب أفريقيا، لكن هذا من آداب الإسلام، لأن الله يقول: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فعندما تعرف القبيلة.
فهذا من التعارف، فكان صلى الله عليه وسلم يسأل الطارق إذا طرق: من أنت؟
يقول جابر: {طرقت على بابه صلى الله عليه وسلم قال: من؟ قلت: أنا.
قال: من؟ قلت أنا، فغضب صلى الله عليه وسلم وفتح الباب، وقال: أنا أنا} أي: كل الناس يقولون: أنا، لكن من أنت؟ والرسول يعلم أنه جابر، لكن ليس من الأدب أن يقول الإنسان: أنا.
قال: ابن الجوزي: وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لسببين اثنين:
الأول: أن في كلمة (أنا) كبر؛ فكأنه يقول: أنا المشهور المعروف عند الناس، وكأنه علم في رأسه نار، لا يحتاج إلى تعريف.
الثاني: أن فيه إيهاماً على الأهل والأسرة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم ينهى أن تتطرق الشبهة والارتياب والتهمة إلى أحد وأن يدخل من هذه المداخل، فسدَّ صلى الله عليه وسلم الذريعة الموصلة إلى هذه الأمور.