لله الأمر من قبل ومن بعد

الحمد لله، أحمده تعالى على جميل إنعامه وإفضاله، وأشكره على جليل إحسانه ونواله، له الحمد على أسمائه الحسنى وصفات كماله ونعوت جلاله، وله الحمد على عدله قدراً وشرعاً، وله الحمد في الآخرة والأولى وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق العلي الكبير، تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، تعالى في أحكامه وأفعاله عن الشريك والوزير، وتقدس في أحديته وصمديته عن الصحاحبة والولد والولي والنصير، وتنزه في صفات كماله ونعوت جلاله عن الكُفُؤ والنظير، عز جاهه وتقدست عظمته، عظم شأنه عن المنازع والمغالب والمعين والمشير، جل في بقائه وغناه عن المطعم والمجير، فسبحانه ما أعظمه وأحلمه وأجله! وما أكمله! وما أقواه! وما أغناه! عليه توكلت وإليه أنيب وهو حسبي ونعم الوكيل.

من أين أبدأ؟!

من أين أبدأ والمحامد كلها لك يا مهيمن يا مصور يا صمد

من أين أبدأ وهو الذي مدح نفسه قبل أن يمدحه المادحون، ووصف نفسه قبل أن يصفه الواصفون، وأثنى على نفسه قبل أن يثني عليه المثنون، كيف أبدأ؟

من أين أبدأ والمحامد كلها لك يا مهيمن يا مصور يا صمد

احترت في أبهى المعاني أن تفي بجلال قدرك فاعتذرت ولم أزد

الحمد لله جزيل العطاء، مسدي النعماء، كاشف الضراء، معطي السراء، الحمد لله عالم السر والجهر، الحمد لله عالي القهر والقدر، الحمد لله المتكفل بالأقوات، المدعو في الملمات والمدلهمات، كاشف الكربات، المرجو في الأزمات، الحمد لله على كل نعمة أنعم بها، وعلى كل بلية صرفها، وعلى كل أمر يسره، وعلى كل قضاء قدره، وكل مكروه كفاه، وكل حادث لطف فيه، الحمد لله كم أعطى من النعيم، كم منح من الخير العميم، كم تفضل به من النوال الجسيم، عمت نعمه، وانصرفت نقمه، تضاعف كرمه، الحمد لله على تمام المنة، الحمد لله بالكتاب والسنة، الحمد لله على نعمة الإسلام، وتواتر الإنعام، توالت فضائله وعم نواله، وحسنت أفعاله وتمت أقواله، الحمد لله نور الجميل، واهب العطاء الجزيل، شافي العليل، المبارك في القليل، أجود من أعطى، وأشرف من أوفى.

يا غافلاً عن إله الكون يا لاهي تعيش عمرك كالحيران كالساهي

ارجع إلى الله واقصد بابه كرماً والله والله لن تلقى سوى الله

من قبله فهو المقبول، من حاربه فهو المخذول، من التجأ إليه عز، من توكل عليه كفاه، من أطاعه تولاه، من عاداه قصمه، من بارزه حطمه، من أشرك به أحرقه.

فوالله لو صغنا من الدمع قصة وصار كتاب الحب بالدم يكتب

وسرنا على الأجفان نمشي محبةً على النار نشوى أو على الجمر نسحب

لما بلغت ما تستحق جهودنا فكل ولو نال المشقة مذنب

الكل مذنب ومقصر، الكل معترف وأنا أول المعترفين: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، النبي الخاتم، والإمام المعصوم، والأسوة الحسنة، والقدوة المثلى، شرف الحواضر والبوادي، زينة النوادي، أعظم هادي، وأفضل حادي.

يا طريداً ملأ الدنيا اسمه وغدا لحناً على كل الشفاه

وغدت سيرته أسطورة يتلقاها رواة عن رواه

ليت شعري هل درى من طاردوا عابدو اللات وأتباع مناة

هل درت من طاردته أمة هبل معبودها شاهت وشاه

أما بعد:

فعنوان محاضرتي "أما بعد" وأما بعد وأما قبل فلله الأمر من قبل ومن بعد، ليس لنا من الأمر شيء، وليس لنا مع قدرته حول، وليس عندنا لأمره رد، وما لنا لقضائه حيلة، وما لدينا مع قدرته تدبير، هو الفعال لما يريد ونحن العبيد، إن تشرفنا فالطين أصلنا، وإن افتخرنا فالتراب مردنا، وما لمن خلق من ماء مهين أن يشمخ بأنفه أو يزهو بعلمه، أو يعجب برأيه، سبحانك! اعترفت بذنبي وتقصيري أمامك.

يا أنت يا أحسن الأسماء في خلدي ماذا أعرف من متن ومن سند

تقاصرت كلم الأوصاف عندكم لما سمعنا ثناء الواحد الأحد

والله لو أن أقلام الورى بريت من العروق لمدح السيد الصمد

لم نبلغ العشر مما يستحق ولا عُشر العشير وهذا غاية الأمد

يا رب! يا حي يا قيوم! يا لطيف! أنت الكامل وأنا الناقص، أنت الغني وأنا الفقير، أنت القوي وأنا الضعيف، أنت الحي وأنا الميت، أصابع المذنب تشير إلى الغفار، ألسنة الفقر تدعو الغني، أكف الضعف ترفع للقوي، الميت يمدح الحي القيوم، الغريق ينادي يا ذا الجلال والإكرام! الكلمات والإشارات عاجزات، البلاغة والبيان والتعبير تعلن التبشير، لا يعلم ما يستحق إلا هو، ولا يحيط بعلمه سواه، لا يقدر قدره إلا إياه، لا يحسن الثناء عليه غيره، إن قدسته أو سبحته أو مجدته فهو الذي علمني، إن حمدته أو كبرته أو وحدته، فهو الذي ألهمني، إن عبدته أو شكرته أو ذكرته فهو الذي أكرمني، صفات المدح في الكاملين ذرة من كماله، نعوت الفضل في الأبرار نفحة من أفضاله، ألسنة المادحين، وأقلام الواصفين، حائرة في جلاله، من أنا حتى أمدحه؟! من أنا حتى أمجده؟! من أنا حتى أثني عليه؟! أنا الذي خلقت من تراب أصف الملك الوهاب؟! أنا الذي صور من طين أذكر جلال رب العالمين؟! إن الخجل يملأ فؤاد من خلق من ماء مهين، إذا قام يشدوا بأوصاف أحكم الحاكمين.

اللهم إن أشرف تاج نحمله تمريغ الأنف على التراب لجلالك، اللهم إن أعظم وسام نحمله وضع الجباه على الأرض لعبوديتك، أنا الظالم لنفسه، المعترف بتقصيره، المقر بذنبه، أنت الواجد الماجد الغني الحميد، عز جاهك، جل ثناؤك، تقدست أسماؤك، لا إله غيرك.

قد كنت أشفق من دمعي على بصري فاليوم كل عزيز بعدكم هانا

يا ألله! سجد وجهي لك، يا ألله! خشع سمعي وبصري لك، يا ألله! رغم أنفي لك، يا ألله! ذلت رقبتي لك، يا ألله! وجل قلبي منك، يا ألله! التجأت نفسي إليك، يا ألله! حسن ظني فيك، يا ألله! طاب الحديث عنك، يا ألله! كمل التوكل عليك.

إليك وإلا لا تشد الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائب

وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدث كاذب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015