السادس من الأسرار: ليس للدعاة مطامع دنيوية، فمطمعهم الأعظم أن يصلحوا الناس، وأن يهدوهم، وأن يعودوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يتوجهوا إلى الوجهة الصحيحة تحت مظلة أهل السنة والجماعة، فمن زعم أن الدعاة في غالبهم يريدون الدنيا، من قصورها وفللها، ومناصبها، ووظائفها، ورواتبها، فقد أعظم الفرية على الله، وقد اتهمهم بما هم منه براء، فإن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أزهد الناس.
كفاك عن كل قصر شاهق عمدٍ بيتٌ من الطين أو كهفٌ من العلمِ
تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيمِ
إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأفلاس والأدم
صففت مائدةً للروح مطعمها عذبٌ من الوحي أم نورٌ من الكلمِ
ويروى عنه عليه الصلاة والسلام عند ابن ماجة وغيره: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} وعند البخاري من حديث ابن عمر: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: {مالي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كرجلٍ قال في ظل شجرة ثم قام وتركها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فهم يتعلمون هذا من الرسول عليه الصلاة والسلام.
ويعلمون أن ما أعد الله لهم من الرضوان والخير والنعيم المقيم خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو سُلِّم إليهم ذهب الدنيا، وفضة الدنيا، لما رضوا به عوضاً عما عند الله سبحانه وتعالى في الآخرة، فليعلم العبد هذا وليتيقن.
وقد يأتي منهم نادر ولكن النادر لا حكم له، ولا يعمم عليهم، ولا يُتخذ ذريعة للنيل منهم.