ومن خصائصهم رفضهم للتأويل.
والتأويل على ثلاثة أقسام:
أولاً: التأويل بمعنى: التفسير، كما قال مجاهد: والراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه.
فالتأويل معناه: التفسير.
يعلمون تأويله: أي: تفسيره، والتأويل عند ابن جرير يعني: التفسير، يقول: قال بعض المؤولة: يعني: المفسرة والمفسرون.
ثانياً: ما يئول إليه الشيء، أي: ما تئول إليه حقيقة الشيء ويرجع إليه الأمر.
ثالثاً: التأويل عند المتأخرين -وهذا المذموم الذي ذمه أهل السنة - وهو: صرف الألفاظ والنصوص عن ظاهرها.
والتأويل شر الأبواب التي دُخل منها على الإسلام، فبالتأويل ذُبِحَ الصحابة في موقعة الجمل، وفي صفين وتقاتل ابن الزبير وعبد الملك.
بالتأويل دخلت القرامطة والنصيرية والإسماعيلية والباطنية.
بالتأويل دخل التتار وذبحوا المسلمين في العالم الإسلامي.
بالتأويل فتح بعض المبتدعة للصليبين الطريق لدخول بلاد الإسلام واحتلت.
بالتأويل نحي القرآن والسنة عن حياة الناس.
والآن أصبح القرآن الذي حكم البشرية خمسة عشر قرناً؛ منزوياً في حياة الناس، وأصبح لا يحكم إلا في مناحٍ من مناحي الحياة الجزئية، لا يدخل في ضمائر الناس، ولا في عقائدهم، ولا يحكم أفكارهم، ولا يحكم أقلامهم، ولا يتحاكمون إليه في كل صغيرة ولا كبيرة، إنما أصبح -عند بعض الناس- كالمتحف يتفرج فيه، وأصبح تزجية للأوقات، فإذا افتتح شيء وقبل أن يقص الشريط بدءوا بآيات من القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:24] رأيت الجمع أمامك والقارئ يقرأ يقولون: كذا، لأنهم متأثرين، والمعنى: لا نستجيب، فإلى الله المشتكى.
واسمع ابن القيم ماذا يقول في أعلام الموقعين (4/ 251) قال: وبالجملة: فافتراق أهل الكتابين، وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، إنما أوجبه التأويل، وإنما أُريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين والحرة وفتنة ابن الزبير وهلمَّ جرا بالتأويل، وإنما دخل أعداء الإسلام بالتأويل إلى أن قال: وهل دخلت طائفة الإلحاد من الحلولية والاتحادية إلا من باب التأويل مضادة ومناقضةً لحكم الله في تعليم عباده البيان الذي امتن الله سبحانه وتعالى على عباده به.
فأصبح القرآن والسنة عند بعض الناس طلاسم، وأصبحوا يرون أنه يعزل من الحياة.
يقول ابن القيم في موضع آخر: أصبح القرآن والسنة في زماننا -أي: في القرن السابع، فكيف بالقرن الخامس عشر- قال: أصبح مثل الخليفة عندنا لا يملك إلا السكة -أي: كتابه اسمه على النقد، والخاتم والخضيب والبردة- أما تسيير الأمور فهي للسلاطين، فنحي القرآن والسنة من حياة الناس، وهذا الذي نعاه أهل السنة والجماعة وطالبوا به، ويلحون بالمطالبة به، ويقدمون دماءهم رخيصة ليبقى هذا المفهوم السائد.