سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن خصائص أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان بعض بني أمية ينصب العداء لـ علي رضي الله عنه ولبعض الصحابة، وكان منهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قبل أن يبين له الصواب، حينما كان تلميذاً عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أحد الفقهاء السبعة، فسمع عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر ينال من علي، فأجلسه أمامه، وقال: يا عمر! متى علمت أن الله غضب على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟

قال: ما علمت -وعلي من أهل بدر.

قال: متى علمت أن الله غضب على أهل بيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟

قال: ما علمت -وعلي من أهل بيعة الرضوان.

قال: فلماذا تسب علياً؟

قال: أتوب إلى الله، والله! لا أسبَّنه ولأحبَّنه، أي: لأحبنه من الآن.

فـ أهل السنة قلوبهم سليمة للصحابة، وأما أهل البدع؛ فإنهم يتناولون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تناولاً ويقعون في أعراضهم، بل إن بعضهم يكفرهم ويستهزئ بهم، عليهم غضب الله.

قرأت عن بعض فرق المبتدعة في خراسان أن مبتدعاً خبيثاً منهم كان له فرسان، سمى أحد الفرسين: أبا بكر، وسمى الثاني: عمر، فأخبروا أحد العلماء، فقال: انتظروا سوف يقتله الفرس الذي اسمه عمر، لا يقتله إلا عمر؛ لأن عمر قوي، قالوا: فأتى يوماً من الأيام في الصباح يريد أن يضع العلف للفرسين؛ فرفسه الفرس الذي سماه عمر فقتله، وهذا أمر موجود في التراجم.

انظر إلى امتهانهم لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام!! الشيخان العظيمان، قطبا الإسلام، وبطانة التوحيد، وسفينة الوعي، يتهمونهم بهذه التهمة وهذه التسمية الباطلة.

فـ أهل السنة يقول فيهم سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] وأنشد ابن القيم قصيدة يمدح فيها الصحابة ويحييهم ويلوم نفسه على أنه مُقصِّر في حبهم، ويتمنى أن يلقاهم ولو في المنام، ويسأل الله عز وجل أن يجمعه بهم في دار الكرامة، ويُعاتب نفسه على التقصير في الحب، يقول فيها:

أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم

وحمّلها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم

لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتم أو حضرتم

سلوا نسمات للرياح تحملت محبتكم والله يدري ويعلم

وكنت إذا ما اشتد بي الشوق والجوى وسارت بنات الحب بالحب تقسم

أعلل نفسي بالتلاقي وقربه وأوعظها لكنها تتكتم

إلى أن قال:

أسائل عنكم كل غادٍ ورائح وأومئ إلى أوطانكم وأسلم

هؤلاء أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء أحباب الله من خلقه وأكرم الناس، قدَّموا جماجمهم من أجل لا إله إلا الله، وسالت دماؤهم من أجل مبادئهم حتى ارتفع دين الله، فما أبقوا قلعة إلا فتحوها بالتوحيد، وما أبقوا مبطلاً إلا ذبحوه، ليبقى التوحيد لله، وليخسأ كل فاجر رعديد.

قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم: {لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه}.

ويقول: {الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم} رواه الترمذي.

فالحذر كل الحذر أن يسب الصحابة، بل يعرف لهم منزلتهم فإنهم أهل القبلتين، وأهل البيعتين، وأهل القيامتين، وأهل المنزلتين، وأهل الولايتين، وأهل الهجرتين، وأهل الجهادين.

هم أهل بيعة الرضوان، وأهل العقبة، وأهل بدراً، وأحد، والخندق، والمنازل الشريفة في الإسلام، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وألحقنا بهم، وجمعنا بهم في دار الكرامة.

وأهل السنة يُفضِّلون الصحابة بعضهم على بعض كما ورد في السنة، فأفضلهم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ثم بقية العشرة، ثم من حضر بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم السابقون قبل الفتح، ثم من أتى بعد الفتح، وهكذا: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3].

وأهل السنة يشهدون لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فيشهدون لـ ثابت بن قيس بن شماس بعد العشرة، ثابت الخطيب المصقع، الذي دمغ خصوم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخطب، وسبب الشهادة له بالجنة: أنه كان يرفع صوته بالخطب أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينصر الدين، فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:3] فأغلق عليه بابه، وجلس في البيت يبكي ثلاثة أيام بلياليهن، قال عليه الصلاة والسلام: أين ثابت بن قيس بن شماس؟ قالوا: ما رأيناه، قال: التمسوه، فالتمسوه، فوجدوه وراء الباب يبكي -لم يأكل ثلاثة أيام- قالوا: يا ثابت! اخرج، قال: أنا من الهالكين.

قالوا: لماذا؟ قال: الله يمدح الذين يغضون أصواتهم وأنا لم أغض صوتي وكنت أرفع صوتي في الخطب.

فأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: أخبروه أنه من أهل الجنة - وفي رواية أخرى-: أخبروه أنه شهيد وأنا على ذلك شهيد، فأخبروه، ففتح الباب وهو يبكي ورمى روحه على الرسول صلى الله عليه وسلم:

جاءت إليك حمامة مشتاقة تشكو إليك بقلب صب واجف

من أخبر الورقاء أن مكانكم حرم وأنك ملجأ للخائف

وحضر ثابت بن قيس بن شماس اليمامة، فلما تولَّى الصحابة؛ لأنه أتاهم هجوم عسكري مسلح مباغت -من بني حنيفة- متماسك كالجبل يزحف زحفاً، وكان قائد المعركة أبو سليمان خالد بن الوليد بيَّض الله وجهه، فأزاحوا صفوف الصحابة؛ لأن الصحابة لم يتهيئوا في الصباح حتى كشفوا المعسكر إلى مخيم خالد، فدخلوا مخيم خالد، فأخذ خالد البُرد وائتزر به، وقام وأخذ السيف وكسر غمده على ركبته، ثم أخذ يضرب في أعداء الله، ويفلق هاماتهم، فولَّى بنو حنيفة أمامه، ويقول شاعرهم:

أبنو حنيفة شدوا طال نومكم إن الخليفة عوَّاد بعواد

يا من يرى خالداً بالبرد معتجراً تحت العجاجة مثل الأغطف الغادي

أمَّا ثابت فحفر لقدميه حفرتين، وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء -أي: الكفار- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -أي: من فر- وثبت حتى قتل في سبيل الله.

فهذا شهيد من الشهداء، وإنما ذكرت قصته استطراداً، وهذه القصص تسري في دماء الموحدين وأهل السنة والجماعة بركاناً ثواراً هادراً يملأها بالمثل يوم تحب الله ورسوله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015