كلمة الشيخ سلمان العودة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وآله وأصحابه أجمعين.
أحبتي الكرام! كم هو محرج لي أن أجلس في هذا المجلس بين يدي مشايخي، كالشيخ عبد الرحمن والشيخ حمود والشيخ محمد بن صالح المنصور , وبقية المشايخ الذين حضروا إلى هذا المجلس المبارك، وهم كانوا أحق بهذا المجلس مني وأولى بالحديث مني.
أيها الأحبة الكرام: ليس لي حديث بعد هذا الكلام الطيب العذب, الذي تفضل به لنا الشيخ عائض بن عبد الله القرني، جزاه الله تعالى عنا خيراً, وبارك الله تعالى في أوقاته وفي جهوده.
أحبتي الكرام: شباب هذه الأمة اليوم كما هو ظاهر مستهدفون بحملة شرسة، تعمل على مسخ اهتماماتهم, وتوجيه تطلعاتهم إلى قضايا ثانوية, وإلى قضايا دونية, أصبح طموح الشاب وأصبحت البطولات التي تتراقص في ذهنه, وأصبحت المثل التي ينمناها ويتطلع إليها, ليست هي البطولات التي تحفظ لهذه الأمة تاريخها, وترفع هذه الأمة إلى مكانتها، وإنما تعلقت قلوب كثير من الشباب باهتمامات دنيوية, وطموحات عادية؛ بل أصبحت تطلعات كثير منهم لا أقول دنيوية وعادية فحسب، بل ربما ضد ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين.
أي فائدة تجنيها هذه الأمة المنكوبة المكلومة من سفور المرأة وتبرجها وتعريها؟!
وأي مصلحة تجتنيها وتكسبها من انشغالها بإعداد عجول آدمية لا يملكون إلا القوة في أيديهم وسواعدهم وأقدامهم فحسب, ولكن لا يملكون قلوباً قوية, ولا يملكون نفوساً أبية؟!
وأي فائدة تكسبها الأمة من الأصوات الصداحة التى لا تتغنى بالقرآن, وإنما تتغنى بحب فلانة وفلان؟!
إن الأمة اليوم ليس ما ينقصها هو المغني أو اللاعب, وإنما ينقصها الشاب الذى يحمل قلباً يتنزى من جراح المسلمين في كل مكان, والشاب الذى روحه تتطلع إلى نصرة الإسلام على يديه, والشاب الذي يملك نفساً تحترق لهموم المسلمين, والفتاة التي يهمها أن تكون قعيدة بيتها لتربي لنا أبطالاً، ليعيدوا لنا أمجاد السابقين.
كما تحدث فضيلة الشيخ عائض , أصبحنا اليوم نتكئ على تاريخنا كثيراً، فخطيبنا ومتحدثنا ومحاضرنا وفي مجالسنا لا يملك إلا أن يعدد مآثر سابقينا, فيقول: فلان فعل وفلان فعل.
وقد قيل:
كن ابن من شئت واكتسب أدباًً يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول هأنذا ليس الفتى من يقول كان أبى
هذه الأمة أصبحت تجتر تاريخها, لأنها عقمت في حاضرها, فلم تجد من البطولات، ولم تجد من ألوان العظمة, ولم تجد من الجد والاجتهاد, ما تتحدث به في واقعها, ولهذا انكفأت على تاريخها تقلب صفحاته, كما ينكفئ التاجر إذا أفلس على أوراقه القديمة السابقة، لعله يجد ديوناً هنا أو ديونا هناك.
أصبحنا نتحدث عن ماضينا، ولا نتحدث عن حاضرنا, لا أقول: نتحدث عن ماضينا أكثر مما نتحدث حاضرنا, بل نتحدث عن ماضينا ولا نتحدث عن حاضرنا.
وأفلح عدونا فعلاً في إغراقنا بألوان من الهموم والمشاغل، من خلال غزو مُرَكَّز قامت به أجهزة الزور العالمية التي دخلت كل بيت وكل عقل وكل قلب وكل روح, فغيرت من نفسية الإنسان المسلم.
أصبح المسلم يعاني مسخاً منذ أن يستيقظ إلى أن ينام, ومنذ أن يولد ويكتب في دفتر التابعية إلى أن يدفن ويكتب في دفتر الوفيات.
يعاني مسخاً وتشويهاً وتغييراً لعقليته ولروحه ولإيمانه، لا يكاد يصمد له إلا الأقلون.
ولعلنا نعرف كم يصدر يومياً من المجلات والجرائد، ومن الكتب ومن الدواوين، ومن القصائد ومن القصص ومن المسلسلات!! وكم يوجه إلى عقل الشاب المسلم اليوم من ألوان التسلط التي تمسخ عقله وتغير فكره.
وكم تواجه الفتاة وهي في عقر دارها, حتى وهي في مدرستها, حتى وهي معزولة عن عالم الرجال, كم تواجه من ألوان التغيير والتضليل، التي جعلت كثيراً من الناس -كما تحدث الشيخ عائض حفظه الله- تنقطع صلتهم بماضيهم, وتنبتر صلتهم بتاريخهم, وتقل رابطتهم بإيمانهم, حتى أنك لا تجد منهم من يهتم بهذه الأمة, ولا من يعيش مشاعرها، وربما أصبح كثير منهم يعرفون من تاريخ أبطال الغرب وفنانيه ومخترعيه وصُنَّاعه ما لا يعرفون عن أبطالهم ولا عن تاريخهم، وربما استطاع كثير من هؤلاء -وقد رأيت هذا بعيني- أن يقرأ أغنية من أولها إلى آخرها, لكن ربما لو طلبت منه أن يقرأ سورة من كتاب الله عز وجل لعجز، ولو قرأ منها آيات لقرأها مكسرة مهشمة، يخطئ فيها في السطر الواحد مرات, أي مسخ أكثر من هذا؟!
والواقع أيها الأحبة أن الكثير لا يدركون ذلك, لماذا لا ندركه؟ لأن الكثيرين منا بحمد الله يعيشون في أجواء طيبة، وبين أوساط قوم صالحين, هذا يحفظ القرآن, وهذا يتلو كتاب الله, وهذا يتعلم السنة, وهذا يحضر مجالس الذكر, لكنْ هناك قسم آخر كبير جداً من المجتمع، لا علاقة لنا به, ولا ندرى ماذا يدور فيه, ولا عم يتحدثون, ولا ما هى اهتماماتهم وطموحاتهم, ولا ما هي معاناتهم, وكثير من هؤلاء قد مسخت عقولهم, وغيرت أفئدتهم, حتى أصبحت صلتهم بدينهم وواقعهم أبعد ما تكون, وأصبحت قلوبهم مع عدوهم وإن كانت أثوابهم أثوابنا, ولغتهم لغتنا, وربما كانت أسماؤهم اسماءنا, وهم من عوائلنا وأسرنا، لكن كثيرون منهم قد ذهب بهم الغرب كل مذهب, وغير عقولهم وأفئدتهم, وقلبهم فيما يحب ويشتهي, حتى إن الواحد منهم لا يحس بأدنى حسرة على هذا الواقع المرير الذى تعيشه أمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, وهو يرى أمم الغرب والشرق تبلغ قمة المجد في دنياها، في تقدمها، وفي صناعتها، وفي علومها التى كان يجب أن تكون في أيدي المسلمين, فلا يعنيهم من أمر ذلك شيء.
بل إن الغرب نفسه أصبح يصدر إلينا التعاسة والفساد، والتوافه من الأمور، ويحتفظ لنفسه وأبنائه ولفتياته بالتقدم والعلم, ففي الوقت الذي يشغل الغرب فيه شبابه ذكوراً وإناثاً بالأمور النافعة, ويشغلهم بالأمور المفيدة على الأقل في دنياهم، أصبح الغرب يصدر إلينا من توافه البضائع، من المجلة الهابطة, ومن الأغنية المنحطة, ومن الأفلام الفاسدة, ومن البرامج الرديئة, أشياء وأشياء, وإن كان من أولادهم من ينشغل بها إلا أن منهم أيضاً من ينشغل بجلائل الأمور ومعاليها.
ونحن نعلم أنه حتى في مجال المرأة أصبحت جيوش كثير من أمم الكفر تجند النساء, لماذا تجند النساء؟ لخدمة عقائدهم ومبادئهم, نحن نربأ بأزواجنا وأخواتنا وبناتنا وأمهاتنا وقريباتنا عن ذلك؛ لأننا نعتبرهن درراً مصونة، تحفظ في بيوتها، ويقول الله تعالى لهن: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33] نحن نربأ ببناتنا ونسائنا وبأخواتنا المؤمنات عن مثل هذه المواقع.
لكننا نقول: إنها لعبة واضحة ومكشوفة, إن الغرب في الوقت الذي يجند حتى صاحبات السواعد الرخوة للدفاع عن مصالحه في أنحاء العالم, فإنه يصدر إلى شبابنا -وليس إلى فتياتنا فقط- ألوان الفساد والتعاسة, وألوان الانحراف والانحطاط, وها هو البث المباشر أصبحوا يهددوننا به صباح مساء, حتى يخترقوا بيوتنا وأخلاقنا وعقولنا وقلوبنا وأرواحنا, ويجعلوا شبابنا يعيشون في حالة لا يعلمها إلا الله.