أيها الأحبة: الأمة الإسلامية بحاجة إلى صحوة, وينبغي أن ندرك أنه إذا اجتمع في مسجد مثل هذا الجمع الطيب بالألوف, فإنه يوجد أعداد كبيرة من الشباب هم بأمس الحاجة إلى اليد الحانية، التي تأخذ بأيديهم إلى المسجد, وتربطهم بالله عز وجل, وتدعوهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وتتطلف معهم حتى تسوقهم سوقاً رفيقاً غير عنيف إلى مجالات الخير, ومجالات البر ومجالات الإحسان.
وإننا نعتبر أن مثل هذه المجالس -كما نعتبر مجالس العلم التي يحييها علماؤنا في كل مكان, ودروس تحفيظ القرآن, والدور الذي تقوم به المجالات الخيرية- نعتبر أنها نوع من المقاومة والكفاح، لا يقل عن ذلك الذي يحمل سيفه ويواجه العدو في ميدان المعركة, بل نحن نواجه عدواً أشرس وأعظم، لأن الذي يواجه العدو في ميدان المعركة قد حدد عدوه، وعرفه على وجه التحديد, وعرف جهته, وقد وجد في الواقع ما يثير حماسه ويلهبه, حتى أن كثيراً ممن يكون فيهم خوف وجبن إذا ذهبوا إلى ميادين القتال، وسمعوا أزيز الطائرات، وسمعوا طلقات المدافع، زال عنهم الخوف, وأصبحوا شجعاناً ينطلق الواحد منهم لا يلوي على شيء، وهو يتمنى أن يموت في سبيل الله, وهذا أمر مشاهد مجرب, الداعية يواجه عدواً مستتراً عدواً منافقاً عدواً يتظاهر بالود, يتظاهر بالخير, يتظاهر بمحبة الطيبين والخيرين، وأنه يريد الخير لهؤلاء الناس, ثم يدس السم الناقع، وإن من أصعب الأمور مواجهة أمثال هؤلاء، لأن الكثيرين تفتر حماستهم وتقل اندفاعاتهم نحو هذه المجاهدة, التي هي من أوجب المجاهدات في هذا الوقت, وما هذه الكلمات النيرات التي تقدم بها أخي الشيخ عائض حفظه الله وسدده ووفقه وجزاه عنا خيراً, إلا نبراس لهذا الطريق، فنحن أصبحنا اليوم أيها الإخوة مطالبين -حتى من كان منا عنده معصية، أو عنده بعض التقصير- مطالبين بأن ننقذ أنفسنا وننقذ بيوتنا.
من هو الذي يرضى أن يكون بيته مقتحما؟! من هو الذي يرضى أن يكون عدوه في قعر بيته يصل إلى أخته وإلى أخيه وإلى قرينته بل إلى زوجته في بعض الأحيان؟! والله إننا نعرف من أوضاع البيوت ومن أوضاع الشباب ومن أوضاع الفتيات ما يندى له الجبين, وندرك أن الشاعر كان على حق حين صاح منذ سنوات طوال وهو يقول:
مؤامرة تدور على الشباب ليعرض عن معانقة الحراب
مؤامرة تدور بكل بيت لتجعله ركاماًَ من تراب
هذا الشاب الذى تلتهب القوة الجسمانية في بدنه, ثم يرى على مرأى منه ومسمع صور الرذيلة، التي تصدر لنا من الشرق والغرب, وصور المرأة الجميلة، والأغنية الهابطة, ما هو الذي يعصمه من كل هذا؟! صحيح أن الإيمان يعظ قدراً من الناس، لكن كثيرين تضعف قوتهم, ويتأخرون ويستجيبون لمثل هذه النوازع الشهوانية, ويظل الشيطان يجرهم جراً من منحدر إلى منحدر, ومن درج إلى درج, حتى لا يصحو الواحد منهم إلا وهو في الحضيض، وقد أصبح مدمناً للمشاهدة, مدمناً للسماع, مدمناً للمخدرات, مدمناً لأي لون من ألوان الفساد, ويصعب عليه أن يتخلص من ذلك إلا بجهد جهيد.
فيا أيها الإخوة! ينبغى أن يعلن كل فرد منا -إن صح التعبير- حالة الطوارئ على نفسه وفي بيته, ويكون يقظاً مدركاً للمسئولية التى ألقيت على عاتقه، وأن يؤدي دوره في منزله, وفي زملائه، وفي حيه، وفي كل مجال يكون فيه على أحسن ما يكون أداء الدور.
وإذا لم تنفع اليوم -أيها الأخ- دينك وأمتك، فمتى يكون ذلك؟!
نحن على ثقة وعلى يقين من وعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن هذا الدين منصور, والله الذي لا إله إلا غيره -وأقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً- إن هذا الدين منصور ولكن بسواعدنا؛ فإن الله كما يقول عن نفسه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173] فنصر هذا الدين إنما يكون بسواعد المؤمنين, وبجهادهم وبصبرهم وببلائهم وبدعوتهم إلى الله تعالى, لو شاء الله تعالى لأنزل ملائكة في الأرض يخلفون، وعن دين الله تعالى يذبون ويكافحون، ولكنه أراد أن يبلو بعضنا ببعض، ويختبر بعضنا ببعض, فلنكن من المجاهدين في سبيل الله, ولو بالكلمة الطيبة, ولو بالنصيحة الهادئة, ولو ببذل جهد بسيط في هذا السبيل.
فنحن نحتاج منك إلى أقل القليل من الجهد، وأقل القليل إذا أضيف إلى غيره؛ فإن الله تعالى يبارك فيه, خاصة إذا توافرت مع ذلك النية الصادقة, والخلق الحسن، والبسمة تكسو وجهك, وحب الخير للناس, لا تريد علواً في الأرض ولا فساداً, ولا تريد أن تمارس على الناس هيمنة أو تسلطاً أو أمراً أو نهياً, وإنما قصدك أن يهتدي الناس إلى دين الله وإن لم تعرف وإن لم تذكر، وإن لم يستجب لك الناس في شخصك, لكن يهمك أن يستجيبوا لدينك ولدعوتك حتى ولو كنت تحت أطباق الثرى.