عمر رضي الله عنه فاق الناس بعلمين اثنين: علم النظر وعلم الإلهام، علم النظر: هو الحاصل المحصل بالتحصيل، والأسئلة من الرسول صلى الله عليه وسلم.
والعلم الآخر: علم الإلهام الذي ألهمه الله عز وجل، فإنه يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب} وفي لفظ آخر: {لو بعث بعدي نبي لبعث عمر بن الخطاب} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن يكن منكم محدثون فإنه عمر بن الخطاب} وقال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر]] وقال ابن عمر رضي الله عنهما: [[ما كنا نبعد أن السكنية كانت تنطق على لسان عمر رضي الله عنه وأرضاه]] والسبب:-
أولاً: الإخلاص والصدق مع الله قال الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]
فلما علم الله صدقه وإخلاصه وإنابته وعبوديته؛ رزقه الله الإلهام فكان يفيض عليه العلم فيضاً.
وفي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: {رأيت البارحة كأني أتيت بقدح من لبن فشربت منه، حتى رأيت الري يدخل في أظفاري قال: ثم أعطيت فضلتي عمر بن الخطاب، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} ويقول في حديث آخر في البخاري: {رأيت في المنام الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره في الأرض قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين} فكان من أعظم الناس ديناً وعلماً.
رجل ملهم كان يتحدث بالكلام فيأتي كما يتحدث بإذن الله، ينطق والسكينة عليه، يقول مثلاً: ليت الله أنزل لنا في الخمر شيئاً شافياً، فأنزل الله في الخمر شيئاً، ويقول: لو حجبت نساءك يا رسول الله، وبعدها بأيام ينزل الحجاب، ويقول: يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى في الحرم، فأنزل الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125].
أصبح إنساناً يتحرك بنور من الله عز وجل، يخطب المسلمين يوم الجمعة والصفوف وراءه، وعظماء الإسلام وقواده وزعماؤه بين يديه، وفجأة يقطع الخطبة مباشرة وينادي في المسجد: يا ساريةُ الجبل، يا ساريةُ الجبل، يا سارية الجبل.
فينزل وينتهي من الصلاة فيقول الصحابة: ما لك يا أمير المؤمنين، ماذا حدث؟ قال: كشف الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لي فرأيت سارية -قائد من القواد أرسله في جنوب إيران ليقاتل أعداء الله عز وجل- فأحاط به الأعداء من كل جانب وقت صلاة الجمعة وعمر على المنبر في المدينة، فكشف الله الغطاء لـ عمر كرامة من كرامات الأولياء، فرأى سارية وهو يحاصر من كل جانب فيناديه عمر ويقول: التجئ بعد الله بالجبل.
فيسمع سارية صوت عمر وهمسات عمر ونداء عمر، فيأتي ويلتجئ بإذن الله إلى الجبل فيعصمه الله ذاك اليوم! فيأتي سارية بعد أن انتصر فقال له المسلمون: أحدث لكم شيء؟ قال: كدنا نهلك في يوم كذا يوم الجمعة، فسمعت صوت عمر الذي لا أنكره وهو يقول: يا سارية الجبل؛ فالتجأت إلى الجبل فعصمني الله.
هذا سند صحيح رواه صاحب تاريخ داريا.
فـ عمر رضي الله عنه يكشف الله له؛ لأنه صادق مع الله، وقد علم الله سريرته، وعلم أنه يريد الخير لهذا الدين، وهو يتكلم من اعتزازٍ قوة؛ فأعطاه الله القوة والاعتزاز؛ ولذلك فالمهزوم في داخل نفسه لا يمكن أن تستفيد منه شيئاً؛ الذي لا يعتز بالإسلام، ولا يعتز بالسنة، ولا بالاستقامة إنسان مهزوم، فاشل في الحياة، فكيف تطلب الماء من الظمآن؟! وكيف تطلب الشبع من الجائع؟! هذا إنسان ولو صلى وصام لكن لا يعتز بالإسلام، لا يعتز بالرسالة الخالدة.
عجباً الأمريكي يعتز بـ النصرانية المحرفة، واليهودي ابن القرد والخنزير يعتز بـ اليهودية المحرفة، والشيوعي البلشفي يعتز بـ الشيوعية، والمسلم الذي بعثه الله للناس كما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم في أمة رائدة خالدة خاتمة لا يعتز بالإسلام! كيف لا نعتز بهذا الدين كما اعتز به عمر رضي الله عنه وأرضاه، وصلى الله وسلم على صاحب الدعوة وعلى آله وصحبه.
يأتي عمر ليفتح بيت المقدس فيلبسه بعض الصحابة بعض اللباس الجميل حتى يظهر أمام الأحبار والرهبان بمظهر جميل، ويستعرض الصحابة القواد، وتستعرض الجيوش أمامه والخيول والفرسان، فيخلع لباسه ويلبس بردته الممزقة التي فيها أربع عشرة رقعة، ويأخذ عصاه ويقول للجيوش: [[انصرفوا عني، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]].
نحن قوم بنينا ثقافتنا وحضارتنا ودولتنا ومعرفتنا من (لا إله إلا الله) أي: لولا (لا إله إلا الله) ما كانت لنا حضارة ولا ثقافة ولا معرفة، فالآن تريدون أن نتزين للناس ونتجمل بالأرض، فلما علم الله أنه يريد نصرة هذا الدين عزه عزاً ما بعده عز، ولذلك يذكر في كل مجلس، وفي كل دولة، وكل مقاطعة، وإقليم، وعرفه الناس كافة مؤمنهم وكافرهم، ويهوديهم ونصرانيهم وشيوعيهم: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4].