النِعمة بالكسر: هي ما أعانك على طاعة الواحد الأحد، وهي ما ساعدك في طريقك إلى الجنة، ولذلك جعل صلى الله عليه وسلم المال مشترك، وتألف به القلوب، لكن الإيمان جعله لناس من البشر لا يشاركهم فيه أحد، فتح صلى الله عليه وسلم حنين، والحديث صحيح -فلما أتت الغنائم لم يعط الأنصار، وهم أهل بدر وأحد، الأنصار سيوف تقطر من دماء أعداء الله، الأنصار الذين قتل منهم في المعارك (80%) الأنصار أهل الشهداء والقرَّاء، تركهم عليه الصلاة والسلام، وأعطى الغنائم صناديد العرب ممن بعضهم أسلم البارحة وبعضهم قبل البارحة، فالأنصار وجدوا في أنفسهم شأنهم في ذلك شأن البشر، وقالوا: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي الناس ويتركنا ونحن نصرناه وآويناه وحميناه، ما قالوا إلا هذا!
ومضت المقالة وارتفعت إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فدعا سعد بن عبادة، سيد الأنصار وقال: {ما قالة بلغتني عنكم؟ قال: هو كما قيل: قال وأنت؟ قال: ما أنا إلا من قومي، أقول مثلما يقول قومي} كقول الشاعر:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
قال عليه الصلاة والسلام: اجمع لي قومك، فجمعهم في حظيرة، فأطل محمد عليه الصلاة والسلام كالبدر ليلة أربعة عشر، وقال: {يا معشر الأنصار! ما قالة بلغتني عنكم؟ قالوا: هو كما سمعت يا رسول الله! قال: يا معشر الأنصار أما أتيتكم متفرقين فجمع الله شملكم بي؟ قالوا: المنة لله ولرسوله، قال: ألم آتكم فقراء فأغناكم الله بي؟ قالوا: المنة لله ورسوله، فرفع صوته، وقال: يا معشر الأنصار، والذي نفسي بيده لو شئتم لقلتم؛ فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وفقيراً فواسيناك، وشريداً فنصرناك، قالوا: المنة لله ولرسوله، فرفع صوته وقال: يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فوالله لما تذهبون به خير مما يذهب به الناس، غفر الله للأنصار ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، الناس دثار، والأنصار شعار، ولو سلك الناس شعباً ووادياً، لسلكت شعب الأنصار، ووادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، فأجابته دموع الأنصار حتى اختضبت لحاهم} ولماذا؟ لأنه عليه الصلاة والسلام يقول: إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس، إني أعطي بعض الناس، لما جعل الله في قلوبهم من الجشع والهلع، وأدع بعض الناس لما جعل الله في قلوبهم من الخير والإيمان؛ منهم عمرو بن تغلب} قال: عمرو بن تغلب: كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها.