الكفر بالنعم يزيلها

قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].

ونعود إلى ابن عباس رضي الله عنهما، قال: القرية الآمنة المطمئنة هي مكة، (كانت آمنة مطمئنة) يسوق الله لها أرزاقها من أنحاء الدنيا، فكفرت برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، فجعلهم الله شذر مذر، ونقول: يا أبا العباس نقبل رأسك، ويدخل في ذلك كل قرية أعرضت عن منهج الله، أبها أو جدة أو الطائف، أو باريس، أو واشنطن.

كل قرية لم تعرف نعمة الله ولم تقدر لا إله إلا الله، ولم تنضو تحت مظلة (الله أكبر) فهي قرية أعلنت فسقها وعصيانها.

ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] قال أهل التفسير: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء:16] كثرنا مترفيها، يضرب العود، وتشتغل الشاشة، ويدار كأس الخمر، وتتبرج الفتاة بلا حجاب، وتضيِّع قرآنها وحجابها، ودينها وعفافها، وزوجها وبيتها، وتجوب الأسواق مع الخياطين والباعة، وتصل إلى الشاطئ، نظر العربي الأول إلى امرأته فرآها تنظر إلى رجل، فقال: عجيب! أتنظرين إلى رجل؟ والله لا تحلين لي امرأة ونظم قصيدة رائعة، يقول:

إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه

وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه

فكيف لو رأى هذا العربي الشواطئ؟ كيف لو رأى الساحل السافل؟ كيف لو رأى الأسواق؟ كيف لو رأى الفتات التي تخرج بثياب يستحي الرجل والله من لبسها، فمن الرجال من يستحي أن يلبس لباس بعض النساء، تذهب ولكنها خلَّفت إيمانها، تذهب ولكنها خلَّفت حجابها، والشاهد قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء:16] يدمرها ربها ويفنيها، ويقسي قلوب أصحابها: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ويقول سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} [الطلاق:8] هنا كأين عند النحاة للتكثير النسبي {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً} [الطلاق:8].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015