جانب الأدب في مسجده صلى الله عليه وسلم، كان دوره أن يستمع إلى ما جمل وطاب من الكلمات، والخطب والمواعظ، فهو أفصح من نطق بالضاد، وأفصح من استخدم العبارة وأجاد الكلام صلى الله عليه وسلم، يرتقي المنبر يوم الجمعة، لا يُحضِّر الكلمة، ولا يكتب الخطبة؛ لأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فهو لم يدرس، ولم يكتب ولم يتعلم، بعث بعد أربعين سنة، فإذا هو أفصح خطيب، وإذا هو أكبر مفتي، وإذا هو أعظم قائد، وإذا هو أجل مُرَبٍّ في المعمورة صلى الله عليه وسلم، يندفع يوم الجمعة يتكلم فلا يتلعثم بحرف، فما تسمع في المسجد إلا البكاء، يقول أحمد شوقي:
وإذا خطبتَ فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء
يقول أنس: والله إني كنت ألتفتُ يوم الجمعة، فإذا الناس لهم خنين في المسجد، وكل وضع رأسه على ركبتيه من البكاء؛ لأنه كان يوصل القلوب بالله عز وجل.