الوصية الثالثة التي أوصي بها شبابنا: اختيار الجليس الصالح، يقول عليه الصلاة والسلام: {مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير، فبائع المسك إما أن يحذيك من طيبه أو تشتري منه، ونافخ الكير إما أن تكسب منه رائحة منتنة أو يحرق ثيابك} وهذا الجليس الصالح، الشاب الصالح الداعية العالِم العابد الزاهد تكتسب منه خلقاً، وتكتسب منه ديناً، وتكتسب منه فضلاً، أما الشقي -والعياذ بالله- فلن تكتسب منه إلا بُعداً من الله، ولن تكتسب منه إلا غضباً من الواحد الأحد -نعوذ بالله- يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101].
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[تزودوا من الإخوان فإنهم ذخر في الحياة وفي الآخرة، قالوا: في الحياة صدقت، أما في الآخرة فكيف؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكافرين والمنافقين والفجرة: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101] فلو كان له صديق صالح لنفعه]] وهذا استشهاد عجيب.
قال الشافعي وقد كتب للإمام أحمد مقطوعة من أحسن ما يكتب من الشعر يقول:
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أنال بهم شفاعة
الشافعي يتواضع وهو العابد الزاهد يقول للإمام أحمد: إن من نعمة الله علي أني أحب الصالحين لكني لست من الصالحين، أما نحن فبإساءتنا وذنوبنا ومعاصينا نبرئ أنفسنا، يغضب أحدُنا إذ قيل له: يا بعيداً عن الله، والفَسَقَة يغضبون إذا قلت لأحدهم: يا فاسق، وقد فَسَقَ من سنوات، والفاجر فَجَرَ من عشرات السنوات، إذا قلت له: يا فاجر ذابَحَك وحاربك، والشافعي يقول:
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
يقول: والحمد لله أنا أكره العصاة ولو كنتُ من العصاة؛ أكره من يتعدى حدود الله، ومن ينتهك حرمات الله، ومن يستهزئ بشرع الله، إلى أن يقول في شعره:
تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تُعْطَ طاعة
فرد عليه الإمام أحمد وقال:
تحب الصالحين وأنت منهم وهم بك يرجون الشفاعة
لأنه قرشي هاشمي ينتمي إلى لرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: من داركم خرج البز الأبيض، ومن نهركم جرى ماء الحياة، ومن عُمْلتكم أتى الصيرفي الممتاز محمد عليه الصلاة والسلام، أنت تحب الصالحين وأنت من الصالحين، ومنكم قد أتتنا الشفاعة، من محمد صلى الله عليه وسلم.
يا إخوتي! لا يغتر مغتر بجلساء السوء -والعياذ بالله- أو الرضا بأفعالهم أو بزياراتهم، لا بهدف دعوتهم ولا بهدف التأثير فيهم، هذه كلمتي للشباب وسوف يكون لنا عودة معهم في دقائق.