وأما النعي بمعنى النياحة ودعاء الويل والثبور والتأسف فهو على قسمين:
القسم الأول: بكاء، وهذا لا شيء فيه، بل هو من الرحمة والرقة، وأدخله بعض أهل العلم في السنة، وأما بكاء فيه تضجر وتسخط ومخالفة لأمر الشارع فهذا هو المذمة.
أما البكاء من الرحمة فقد بكى عليه الصلاة والسلام في أكثر من واقعة، ففي الصحيح: {أنه صلى الله عليه وسلم ذهب ليزور سعد بن عبادة فأتى فإذا هو مغمى عليه فقال: أمات أخي؟! وبكى صلى الله عليه وسلم}.
وكذلك في الصحيح عن أنس: {أن بنت الرسول صلى الله عليه وسلم زينب دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحضر ابنها وقد حضرته الوفاة، فأرسل إليها وقال: مروها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فذهبت فأرسلت إليه أو عزمت عليه ليأتين، وكان صلى الله عليه وسلم كما في كتاب الحج -رجلاً سهلاً- فأجابها خاصة أنها ابنته وفلذة كبده رضي الله عنها، وصلى الله عليه وسلم، فقام وقام معه الصحابة فسلمت له ابنها فأخذت نفسه تقعقع كما تقعقع الشنة بيده صلى الله عليه وسلم فأخذ يبكي وقال له ابن عوف: ما لك يا رسول الله قال: هذه رحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من عباده}.
وفي الصحيح أيضاً من حديث أنس لما توفي ابنه إبراهيم قال: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} فهذا البكاء عند بعض أهل العلم جائز وهو من رقة القلب، ومن الرحمة، ومن تذكر الوفاة، وبكى عليه الصلاة والسلام في أكثر من حديث، إنما هذا شاهد على جواز البكاء بل هو مطلوب.