أما شجاعته فحدث عن الليث ولا حرج، اسمه حيدرة، سمته أمه: حيدرة، وحيدرة اسمٌ من أسماء الأسد، فإن للأسد عند العرب تسعة وتسعين اسماً، من أسمائه حيدرة، فكانت أمه تلاعبه وتسميه: حيدرة، وتهدهده، فلما عاش نسي الأسماء إلا حيدرة، استخدمه في أوقات الأزمات وفي ساعة الصفر، وعند احتدام الخطر.
خرج مرحب اليهودي من حصنه في المدينة، في خيبر ولمع بسيفه وسط المسلمين وقد ألقى الدروع عنه، وهو يناشد المسلمين من يبارز؟ من يبارز؟ ومرحب هذا يهودي ماكرٌ فاجر ولكنه من أشجع الناس، أخذ يرتجز ويلاعب سيفه بيده ويقول:
أنا الذي سمتني أمي مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن توسم في أصحابه وكلهم أحجم لأنهم يعرفون الخطر، ولأن المسألة معناها أن ينهزم الإنسان أو يقتل في مثل هذا المكان أمام الناس، الذي يتواجد فيه جماهير تشجع وتنظر جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً إلى المتبارزين الاثنين، فقال صلى الله عليه وسلم: {من يبارز؟} فقال علي رضي الله عنه: أنا يا رسول الله، فسكت صلى الله عليه وسلم، فقال: في الثانية: {من يبارز؟ فقال: أنا، فقال الثالثة: من يبارز؟ فقال: أنا، قال: اخرج} فخرج وسل سيفه وهو شابٌ كالأسد وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كرية المنظرة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
فلما التقى هو ومرحب، اعترضت بينهما شجرة وأخذا يتصاولان كالليثين فرأى علي رضي الله عنه أن من الحكمة أن يقطع دابر الشجرة ليبقى ذاك مجرداً في العراء، فقطعها علي رضي الله عنه بأول ضربة ثم ثنى الثانية فقتل بها مرحباً، فكبر الناس.
ولذلك يقول محمد إقبال في هذا المشهد:
ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا
أم من رمى نار المجوس فأطفأت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا
ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيءٌ فاشترى
وعاد رضي الله عنه وأرضاه منتصراً.