وطفل آخر عمَّر وقته بطاعة الله عز وجل: محمد بن القاسم الشهير الذي فتح السند والهند، والذي قتل ملوك السند، والذي قدمت له الأصنام من ذهب فرفض، أتاه ملوك الهند بأصنام من ذهب، فقالوا: هذه لك وعد عن بلادنا، قال: سبحان الله أرتشي عن الجهاد في سبيل الله! لا والله، حتى يقول محمد إقبال:
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهـ دمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
كنا نقدم للسيوف رءوسنا لم نخش يوماً غاشماً جبارا
كان عمر محمد بن القاسم؟ سبع عشرة سنة، وتحته أكثر من مائة ألف من الجنود، وقال بعض العلماء: قاتل جيشاً عدده أكثر من ستمائة ألف، كتائب كالجبال ومحمد بن القاسم في السابعة عشرة من عمره، بعضهم الآن في الثلاثين يقول صغير، كلما ارتكب خطأ يقول: أنا صغير، يموت وهو صغير، لأنه صغير المبادئ والطموحات، والمستقبل هذا طاغوت مستكلب، يسمون المستقبل: تأمين ووظيفة ومنصب وسيارة وفلة، وهذا ليس مستقبل المسلم، مستقبل المسلم رضا الله، مستقبل المسلم الشهادة في سبيل الله، ومستقبله جنة عرضها السموات والأرض.
يأتى أعرابي من الصحراء ويقدم له الرسول صلى الله عليه وسلم غنيمة، فقال: ما على هذا بايعتك! قال: {بايعتني على ماذا؟! قال: أن يأتيني سهم فيقع هنا ويخرج من هنا، قال: إن تصدق الله يصدقك} فقتل في سبيل الله، لأنه صدق الله عز وجل.
محمد بن القاسم يقول فيه الأول:
إن السماحة والنجابة والندى لـ محمد بن القاسم بن محمدِ
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مولدِ
ما أقرب هذه الطفولة وما أقرب أنك فتحت فيها بلاداً وعمرتها بلا إله إلا الله! طفل دخل السند والهند، طفل رفع لا إله إلا الله، طفل، وحرق الأصنام، وداس الطاغوت، ورفع الحق في منائر الأرض، وفتح تلك البلاد التي ما كنا لنفتحها نحن.