وثابت من التابعين، اسمه ثابت بن أسلم البناني من أتقى الناس، كان يقال في المثل: أتقى من ثابت البناني، وأزهد من ثابت البناني وهو من رجال البخاري ومسلم، ومن أكثر من روى عن أنس رضي الله عنه وأرضاه.
وهذا ثابت أورد عنه أهل السير أنه سافر إلى خراسان في غرض له، فلما رجع قال له الناس: هل أعجبتك الحدائق والبساتين؛ لأن خراسان كانت من أجمل البلاد وهي في جنوب إيران، قال: والله ما كأني رأيت البساتين ولا الحدائق ولا الأنهار، ما أعجبتني إلا عجوز مررت بها تصلي ركعتي الضحى، وذلك أنه مر عليها، وقلبه مشغول بشيء آخر: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [النحل:107] فبعض الناس يستحب الحياة الدنيا ويرتاح لبناء القصور ثم يقول: الحمد لله أن بنينا هذا القصر، وارتحنا ونلنا سعادتنا في الحياة الدنيا.
أين أنت يا عبد الله؟ كيف ترتاح؟ الدنيا كلها أوصاب وهموم وأحزان وكربات، يموت ابنك، وتموت زوجتك، ويمرض جسمك وتموت، وإذا وصلت سبعين سنة فأنت بطل، لكن لا تصل، وما وصل السبعين إلا من قد ذهب بصره أو سمعه أو تساقطت أضراسه.
يا متعب الجسم كما تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
فالمقصود أن ثابتاً كان من أعبد الناس، بكى حتى قال بعض الناس: يوشك أن تختلف أضلاعه، وقالوا: مر بمساجد الكوفة فكان كلما مر بمسجد، دخل فيه فصلى ركعتين، فقال له الناس: مالك؟ متى تصل إلى بيتك إذا كنت كلما مررت بمسجد صليت ركعتين، قال: كلما مررت بمسجد تذكرت العرض على الله، وتذكرت الموت، فقلت: ربما أوخذ قبل أن أصلي ركعتين فأغتنم حياتي.
يقول أنس: إنَّ في الناس مفاتيح خير وفيهم مفاتيح شر، فـ ثابت البناني من مفاتيح الخير.
قال: (عن أنس) وهو أنس بن مالك خادم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد مرت ترجمته في أكثر من مرة، وهو الذي قدمته أم سليم هدية للمصطفى صلى الله عليه وسلم، فما كان في التاريخ أعظم من هدية أم سليم للرسول صلى الله عليه وسلم، أهدت ابنها، وقالت: هذا ابني يخدمك يا رسول الله، فخدم المصطفى عليه الصلاة والسلام عشر سنوات، وهي أحسن سنوات عمره.
حتى يقول: {خدمت الرسول عليه الصلاة والسلام عشر سنوات، والله ما قال لي في أمر فعلته: لِمَ فعلته؟ وفي أمر لم أفعله: لِمَ لَمْ تفعله؟} فكانت أرقى وأسعد حياته هي التي عاشها في تلك العشر السنوات.
قال: {أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه} وهو إبراهيم بن محمد، ابن الرسول عليه الصلاة والسلام.
والرسول عليه الصلاة والسلام رزق من البنات أكثر من البنين؛ لأنه لم يكن يشب له أبناء، بل كانوا يتوفون لحكمة أرادها الله، قال بعض أهل العلم: من هذه الحكم أنه خاتم الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام، فلو ترعرع له ابن وشب، لكان نبياً، والله جعله خاتم الأنبياء، فرزق عليه الصلاة والسلام إبراهيم من مارية، فلما بلغ قيل: السنتين، وقيل: حولها، كان يذهب إليه صلى الله عليه وسلم في بيت مارية، فيأخذه ويقبله ويشمه ويعانقه، ويمازحه عليه الصلاة والسلام.