الصبر على المصائب وفضل الاسترجاع

وفي مرة من المرات دعي صلى الله عليه وسلم، لماذا دعي؟ قالوا: إبراهيم في سكرات الموت، سبحان الله! كان من أحب الناس إلى قلبه، وهو في السنتين، ليس بالكبير الذي تذهب محبته، ولا بالصغير الذي لم تبدأ محبته، لكن في سن كأنه لا يمشي إلا على كبدك أو قلبك، فأراد الله أن يجعل قلب الرسول صلى الله عليه وسلم خالصاً له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

أتى صلى الله عليه وسلم وإبراهيم في سكرات الموت فأخذه، ودموعه تهراق عليه الصلاة والسلام، وهو يقول: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون} أي: لا نتسخط على القضاء والقدر، فالله هو الذي أعطى، والله هو الذي أخذ.

أُثر عن داود عليه السلام، وكان ملكه ملكاً عظيماً كما سماه الله عز وجل، والذي قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] داود قيل: كان له قبل سليمان أربعون ولداً، فصلى مرة من المرات؛ فأراد الله أن يبتليه، ويختبر إيمانه، ويرفع درجته، ويمحص يقينه، ويرى هل يشكر أم لا، فسلم داود من الصلاة؛ فوجد الأربعين أمواتاً جميعاً! قال: حسبي الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال: اللهم أبدلني خيراً منهم.

وفي صحيح مسلم عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أصيب بمصيبة فقال: اللهم اؤجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها} قالت أم سلمة: فلما توفي أبو سلمة زوجها وأحب الناس إليها، قالت: تذكرت هذا الحديث فقلته، قلت: اللهم اؤجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها، ثم قلت في نفسي -تقول هي في نفسها- من خير من أبي سلمة؟ قالت: فأبدلني الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فلما قال داود عليه السلام: وأبدلني خيراً منهم، أبدله الله بسليمان، وجعله الله نبياً وأتاه الحكم، وكان فقيهاً عاقلاً عابداً من العباد الكبار، ملك الدنيا فلم يملك قبله ولا بعده ملك مثل ملكه! حتى يقول: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] فأجرى له الله الريح، وسخر له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الجن والإنس والطيور والسباع والزواحف، وبسط قصته في موضع آخر.

إنما المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إبراهيم وعانقه رحمةً به، والرسول صلى الله عليه وسلم كان من أرحم الناس.

أتت ابنته زينب فأرسلت إليه أن ابنها قد حضرته الوفاة فليحضر، وهذا الحديث صحيح، وكان مشغولاً صلى الله عليه وسلم بوفد من الناس، فقال: {أرسلوا إلى زينب وقولوا لها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فقالت زينب: والله ليأتين أبي} وتقوِّل على أبيها: أي: تدل بحبها مع أبيها، رضي الله عنها، والبنت لها إدلال على أبيها، تحلف عليه وتجزم عليه، والله ليأتين أبي؛ لأنها في مصيبة رضي الله عنها وأرضاها، وتريد أن يشاركها المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجعُ

فقام عليه الصلاة والسلام وقام معه الناس، انظر من رحمته صلى الله عليه وسلم حتى الوفد قاموا معه، ومنهم سعد بن أبي وقاص، ومعاذ، وذكر عبد الرحمن بن عوف، فوقف صلى الله عليه وسلم، فقال: ائتوني بالطفل، فأتوا به ونفسه تقعقع كأنها في قربة، فأخذه صلى الله عليه وسلم يحتضنه وهو يبكي عليه الصلاة والسلام، حتى سمع له نشيجاً ونحيبا.

فيقول ابن عوف: {ما هذا؟ قال: رحمة جعلها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء} فالرسول عليه الصلاة والسلام من أرحم الناس، فهو يتبسم وقت التبسم، ويبكي وقت البكاء، وله لباس في كل حالة كما وصفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالكمال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] قال بعضهم: إنك لعلى دين عظيم.

فسيرته صلى الله عليه وسلم عظيمة كاملة، فمن أراد الاهتداء فعليه بها، فإنَّه صلى الله عليه وسلم الموجه الذي لا يضل أبداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015