ومن القضايا في هذا الحديث: أن اللباس الجميل لا يعارض الزهد، وقد مر هذا في غضون الحديث، فـ الحسن البصري دخل عليه فرقد السبخي، فرأى عليه ثوب صوف ممزقاً، فأشاح الحسن البصري بوجهه، قال: لعلك ظننت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حبذ الصوف، والله! إني أخاف عليك أن تفتتن بهذا اللباس أخوف علي ممن يلبس البرد، أي: الحلل، يقول: أخاف أن تفتتن باللباس الممزق، ويفتنك الله به أكثر ممن يلبس الجميل، وهذا موجود.
وبعض الناس يلبس لباساً ممزقاً ليظهر بين الناس أنه زاهد ومتقشف، وهذه شهرة والشهرة ملعونة، ولكن أحسن الأمور أوسطها، وهو أن تلبس ما يلبسه مجمل جمهور الناس، فلا تلبس الغالي الذي يلفت نظر الناس، ولا تلبس الرخيص الذي يلفت نظر الناس.
قال النووي في رياض الصالحين: ويكره أن يقتصر من اللباس على ما يزري به نفسه أو كما قال.
ولذلك في سنن ابن ماجة بسند فيه نظر، قال: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لباس الشهرتين} ولباس الشهرتين: أن يشتهر الإنسان باللباس فلا يلبس إلا اللباس الراقي كبراً وعلواً وعتواً وتجبراً في الأرض، ولعن صلى الله عليه وسلم كذلك، إن صح هذا الحديث وقد تكلم عنه ابن القيم في كتاب اللباس- من يلبس الوضيع الممزق ليظهر نفسه أنه ناسك، ويعلم الله أنه ليس بناسك وإنه لَفاجر، ويظهر نفسه أنه زاهد وليس بزاهد، ويظهر نفسه أنه متقٍ وليس بمتقٍ، والتقوى ليست باللباس، وليست في المعطيات، وليست في الدور ولا في القصور، بل التقوى في القلوب، يقول عليه الصلاة والسلام: {التقوى هاهنا وأشار إلى صدره}.
ولذلك قد يأتي يوم القيامة بعض الأغنياء، يدخلون الجنة لأحدهم قصر في الجنة كالربابة البيضاء، وبعض الفقراء يدخل النار، فلا يظن كل الفقراء أنهم في الجنة، وأن كل الأغنياء أنهم في النار، فإن الله عز وجل يعامل الناس بالتقوى، وابن تيمية يناقش مسألة: (هل الأفضل الغني الشاكر أو الفقير الصابر) وقد تكلم فيها العلماء بكتب ومجلدات، وأتى ابن تيمية فقال: ليس يفضل هذا لغناه ولا هذا لفقره، وإنما أفضلهما أتقاهما، فأفضل الناس أتقاهم لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا أمر.
وقد انتهينا من قضايا هذا الحديث وليس هناك إلا قضايا فرعية لا يحتمل المقام أن نبسطها أكثر مما ورد.