أما حكم من حضر فريضة وقد صلَّى بالناس، وهي أمور تحدث في الأمة أخبر بها صلى الله عليه وسلم، وسوف يعيشها الإنسان، وسوف تمر به في ظروف، وفي أماكن وأزمان، فسوف تصاحب أناساً يؤخرون الصلاة ويميتونها إماتة، حتى لا يصبح لها طعم ولا قيمة، ولا يرضاها الله عز وجل، وترتفع إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيردها على أصحابها، أولئك قوم يتركون الوقت حتى يكاد ينتهي، ثم يقومون وينقرون صلاتهم، قد تُبتلى بهؤلاء في عملك، أو في وظيفتك، أو في أي مكان أو زمان، فما الحل وما المخرج؟
هذه المسألة عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أبا ذر! ماذا تفعل إذا أدركت قوماً يميتون الصلاة؟ قال: كيف يميتونها يا رسول الله؟ قال: يؤخرونها عن وقتها -فبماذا أجاب أبو ذر رضي الله عنه؟ هل قال: أعتزل وأبقى في بيتي؟ -لا قال: آخذ سيفي -يا رسول لله- فأضرب به حتى يبرد، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: أو خير من ذلك، قال: ماذا؟ قال ما معناه: تصلي في بيتك -صلاة الفريضة -فإذا أتيت معهم فلا تقل: إني صليت فلا أصلي -وهذا عند مسلم - ولكن صلِّ معهم فإنها لك نافلة}.
فالإنسان لا يحبس نفسه ساعة طويلة وتفوته الفريضة، بل إذا علم أنه في جمع أو في مكان وأحرج، فليقم وليصلِّ الفريضة، ثم ينتظر ويصلي معهم نافلة ولا يقل: إني صليت، لئلا يحدث عليه إحراجات، ويحدث عليه تساؤلات؛ لأنه قد يقال له: أنحن كفار أو منافقون حتى لا تصلي معنا؟ فعليه أن يصلي الفريضة ثم يصلي معهم ويجعلها نافلة.
وقد قال عامر الشعبي: رأيت سعيد بن جبير وكثيراً من التابعين يصلون وراء الحجاج وهو يخطب على المنبر، فهو يخطب خطبة الجمعة ويلقي محاضرة مطوَّلة، يمدح فيها عبد الملك بن مروان وبني أمية، وخالاتهم وعماتهم وأصحابهم ودولتهم، فلما أطال عليهم تذمر هؤلاء التابعون فصلوا إيماءً وهم جلوس ثم صلوا معه نافلة؛ لأنه فوت عليهم الصلاة، ولذلك كان هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهاً للمسلم على أن يحافظ على الصلاة في وقتها، ثم يصلي مع الناس نافلة.