ومن حقوق الأبناء على الآباء: شغل أوقات الفراغ بما ينفع.
يقول الله تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] كثير من الأبناء الآن يشكون الفراغ، تجد أحدهم في العطلة الصيفية يقول: عندي فراغ.
سبحان الله! مسلم وعندك فراغ؟! طالب علم وعندك فراغ؟! ألست من الأمة الخالدة التي ما عرفت الفراغ، ولا عرفت ضياع الوقت؟! كيف يكون عندك فراغ وعليك مسئولية وأمانة وحمل ثقيل؟
جاء في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} ويوم أن عرف الجيل الفراغ نشأ معوجاً، لا يعرف الرسالة، ولا يحمل مبدأً ولا مسئوليةً، لأننا أوجدناه ليكون فارغاً، وما أدركنا أن السلف الصالح ما عرفوا الفراغ أما كان صلى الله عليه وسلم أوقاته كلها معمورة بذكر الله؟.
ذكروا عن أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي -العالم الكبير الشهير، الذي ألف كتاب الفنون، وهو يوجد في مكتبة بون في ألمانيا في ثمانمائة مجلد- أنه من شدة حفظه للوقت كان إذا أتى لينام كتب الصفحات والأفكار التي تهديها بنات أفكاره إليه، فإذا استيقظ كتب الأفكار التي ربما تمر به، فألف من وقت الفراغ ثمانمائة مجلد.
وذكر عنه صاحب طبقات الحنابلة - ابن رجب - أنه قال: ربما أكلت الثريد ولا آكل الفتيت؛ لأن بينهما في الوقت مقدار قراءة خمسين آية.
أي وقت هذا؟!
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي
يتكلم دايل كارنيجى الأمريكي في كتاب: دع القلق وابدأ الحياة، عن الأمريكان، ويمدحهم ويقول: لا يعرفون الفراغ.
وقد صدقنا وهو كذوب! صدقنا في هذه القضية، ولو كان كاذباً دائماً، فإن مصانعهم تهدر، وإن معاملهم تعمل، يقول الله عنهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] يقرءون وينتجون ويقدمون ويخدمون ويفعلون، أما أبناء المسلمين -إلا من رحم الله- فتجدهم يشكون من الفراغ، خاصة في العطل الصيفية، حتى إنه تقدم اقتراحات: ما هي هوايتك؟ أللمسلم هواية إلا إرضاء الله عز وجل؟! هوايتك حمل الرسالة هوايتك نشر لا إله إلا الله هوايتك أن تضع هذا الرأس الذي خلقه الله على التراب ساجداً لله.
أما هواية جمع الطوابع، ومطاردة الحمام والدجاج، وركوب الخيل والسباحة! فهذه إنما هي في بلاد كانت، وديكارت، أما بلاد محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا إنما هوايتنا المحافظة على الصلوات الخمس هوايتنا حفظ القرآن العظيم هوايتنا أن نعيش مع المكتبة الإسلامية هوايتنا أن نقول للشعوب وللدنيا: نحن المنقذون بإذن الله، نحن الذين تهدوا بنا
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى
فمن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا
ما عرفنا جمع الطوابع إلا يوم أن تركنا الطريق إلى المسجد، وما عرفنا مطاردة الحمام والدجاج إلا يوم أن تركنا الجلوس في حلق العلم، وفي حلق المربين الناصحين والعلماء المسددين، وإلا فإنا إذا وصلنا إلى هذه الدرجة؛ فقل على الأمة السلام، ولكن -بحمد الله- هناك بقية خير، وهناك آباء فضلاء نبلاء حكماء، يعلمون أن الله استودعهم البيوت.
وهل من الصحيح أن يُترك البيت فارغاً بلا توجيه، يغلب عليه الفراغ والوسوسة، وكل رأي وكل مجلة خليعة، وكل صدى فاجر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر؟ ليس ذلك من الصحيح فهذه الحقوق لابد أن تكون معروفة.