ومن حقوق الأبناء على الآباء: إبعادهم عن رفقة السوء وأهل الفساد.
يقول الله تعالى عن الرفقة الصالحة: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] وكل صحبة وصلة وصداقة تتقطع وتتلاشى وتنهار إلا صلة الذين يريدون الله والدار الآخرة.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: [[والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة ولا أبغض أهل المعصية؛ لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]].
أورد هذا الأثر الغزالي في الإحياء، ولذلك يقول الشافعي، وهو يتحدث عن نفسه بتواضع في أبيات:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
ولكن والله هو منهم، ويرد عليه الإمام أحمد فيقول:
تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة
والشافعي قرشي هاشمي ولكنه لم يركن إلى نسبه فقال:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
يقول: أنا سيئ -تواضعاً لله- لكن من خيرة الله لي أني أحب الصالحين ولست منهم؛ لعلي أن أنال بهم شفاعة، لأنه في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري {المرء يحشر مع من أحب} فإن أحببت الصالحين، وعملت بعملهم، حشرت معهم، والعكس بالعكس
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة
يقول: ولو كنت عاصياً لكنني أكره العصاة ولا أصاحبهم
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
كيف يكون الإنسان صالحاً وهو يرافق رفقة السوء؟ يقول أهل العلم: ما كان أفسد على أبي طالب من صحبة السوء، أراد صلى الله عليه وسلم أن يقول أبو طالب لا إله إلا الله.
فقال: {يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أشفع بها لك عند الله} فأراد أن يتلفظ بها، وأراد أن ينجو من النار والدمار والعار والشنار، وأن يدخل في رحمة الواحد الغفار، فقال له أبو جهل: كيف ترغب عن ملة آبائك وأجدادك؟ فأتى هذا الجليس السيئ، فرده في نار تلظى فمات كافرا مشركاً بسبب رفقاء السوء.
ورفقة السوء انتشروا كثيراً، وهم أعدى من الجرب، فالجرباء عند أهل العقول تعدي الصحيحة، وما سمعنا أن الصحيحة تعدي الجرباء، حتى تكون صحيحة.
فمن الحكم والمصالح والواجبات على الآباء: أن يتقوا الله في الأبناء، وأن يجنبوهم رفقة السوء بكل وسيلة ممكنة.