معرفة ميول الأبناء

ومن حقوق الأبناء على الآباء: معرفة ميله واتجاهه العلمي والوظيفي.

كلٌّ ميسر لما خلق له ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه: تحفة المودود في أحكام المولود، قال: لا يعتب على الشاب بعد أن يكبر، فأنت أيها الأب لا ترغمه على تخصص لا يريده، وعلى طريق لا يحبه، إذا أصبح عاقلاً رشيداً فاهماً عارفاً بمستقبله، فأنت لا تقترح عليه أي تخصص ولا أي طريق، إذا كان هذا الطريق الذي ينحوه طريقاً يرضي الله.

وكثير من الآباء يقع في هذا، فهو يريد من ابنه أن يكون مفتياً، وابنه نفسيته وعقليته واتجاهه وتكوينه وتخصصه أن يكون مهندساً، ويريد الأب أن يكون ابنه تاجراً، والابن يريد أن يكون مفتياً؛ فيكون فيه اعوجاج في العلم، ويحدث من ذلك رسوب في السنوات، وتدهور وفشل في الدراسة وفي التحصيل العلمي.

لماذا؟ لأن الابن ما تُرك وإرادته، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {كل ميسر لما خلق له}.

وقد علم صلى الله عليه وسلم الصحابة التخصصات، وفتح لهم الأبواب والثغرات، فأتى حسان بن ثابت فما قال له صلى الله عليه وسلم: كن مفتياً، ولا كن مفسراً، ولا كن محدثاً، لكن قرأ عقليته وتخصصه؛ فوجده شاعراً فقال: أنت شاعر الإسلام وادخل الجنة من باب الشعر والأدب؛ فكان شاعر الدعوة.

وأتى إلى أبي بن كعب فوجده مقرئاً وتالياً، فقال: {وأقرؤكم أبي} أو كما يروى عنه صلى الله عليه وسلم.

وأتى إلى زيد بن ثابت فوجده فرضياً، فعلمه الفرائض، وأتى إلى خالد بن الوليد، فوجده مجاهداً صنديداً أبياً وقائداً فذاً، فأعطاه السيف وقال: {خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلَّه الله على المشركين}.

فهذه التخصصات لابد أن نؤمن بها، نؤمن بها في بيوتنا ومجتمعاتنا؛ لينشأ أبناؤنا على رغباتهم إذا كانت ترضي الله.

هذه حقوق أردت -باختصار- أن أقدمها في هذه الليلة المباركة، التي أسأل الله أن تكون في ميزان الحسنات، وأن ينفع بما أقول من الكلام، ولا أريد الإطالة، فإن آخر الكلام ينسي أوله، بل أتم الشكر لله عز وجل، ثم أشكر أهل الفضل ثانياً، وأشكركم على حضوركم وإصغائكم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015